أحمد الهلالي

ذياب بن سعدي.. ندبة في ضمير محافظتي الليث وأضم!

الثلاثاء - 17 نوفمبر 2020

Tue - 17 Nov 2020

ربما كان في الخمسين أو قريبا منها، يلقى الجميع بابتسامته الدائمة، فلم يمنعه فقده سِنَّيه الأسفَلَين من رباعيته أن يخبئ تلك الابتسامة، يُعرف بهيئته الشهيرة حين يقبل حاملا حقيبته الجلدية المخططة بالألوان المتقاطعة في شماله، وفي اليمين عصاه (القطلة)، ويطوق وسطه الممتلئ بحزام جلدي يثبت سكين (راجس) في وسطه، ولأننا نبصره من مسافة بعيدة؛ نهرع (نحن الصبية) لاستقباله: حياك الله يا عم ذياب، فيسلم علينا جميعا، ثم يبدأ سيل أسئلته، فكل همه أن يعرف ما إذا كان في البيت أحد يمكنه شراء مقتنياته التي تخفيها الحقيبة عن أعيننا، وهي غالبا لا تخرج عن الصِفِر (الرصاص) للمسدسات، وسكاكين صغيرة، وقوارير عطر (باترا) الصغيرة، وكحل وخرز، وما يشبه ذلك، يبيعها بالنقد أو بالآجل، للرجال وللنساء.

لا يمتلك سيارة، بل يسير على قدميه على الطرقات، ومن يلقاه يقله معه إلى وجهته، وإن حمي النهار أو جن الليل، مر بأقرب منزل في طريقه، فهو بطبيعته المسالمة يرى الجميع أصدقاء، وربما يراه الآخرون كذلك؛ لأنه مسالم سمح الخاطر، لا يتدخل في شؤون غيره، ولا يبدي أسراره للناس، ومن المفارقات أنه لم يتزوج، ولا نعلم له منزلا أو مقرا يمكن أن نجده فيه، بل يسيح عبر الديار والقرى.

بعد سنين، كبرنا وخرجنا من القرية إلى المدن، فصعقنا نبأ اختفائه، هكذا اختفى تماما، ولم يجد أحد له خبرا إلى اليوم، وكأنه حبة اليود إذا تسامت بفعل الحرارة، وما يزال مختفيا ولا يعلم حتى أقرباؤه شيئا عن اختفائه، مع أن قضيته منظورة في شرطة الليث منذ أكثر من 20 عاما، وقد سمعت من أقربائه أن التحقيق لم يخرج بنتيجة إلى الآن.

تلك الحقيبة مع العم ذياب بن سعدي الهلالي، واشتغاله في البيع والشراء، ولأنه لم يتزوج وليست لديه أسرة يصرف عليها، وليس له بيت ينفق أمواله في بنائه أو صيانته، ولكبر سنه وضعفه، ربما كانت هذه الأسباب مجتمعة قد أغرت مجرما بالنيل منه في تلك الأودية والشعاب التي يجوبها بين محافظتي الليث وأضم، فمن غير المعقول أن يختفي إنسان هكذا (فص ملح وذاب)!

أشعر بغصة كلما تذكرت ذلك الرجل المسالم الذي عرفته منذ الطفولة، وأشعر بألم أكثر إن كان في منطقتنا مجرم تدفعه نفسه للنيل من مثل هذا الرجل الطيب الخلوق، ولا يزال أملنا أن تكثف الجهات الأمنية في محافظتي الليث وأضم جهودها؛ لتتبيّن مصير العم ذياب، فهو ندبة في ضمير المنطقة تستحق المداواة والشفاء.

ahmad_helali@