بندر الزهراني

الإسكان الجامعي نزاهة أم هرطقات ناسك!

السبت - 17 أكتوبر 2020

Sat - 17 Oct 2020

نادرا ما أوجّه النقد بشكل مباشر لمسؤول بذاته أو جهة بعينها، ليس توجسا من شيء، أو مجاملة لأحد، لا أبدا، وإنما لأن الحالات التي أتحدث عنها في الغالب تكون موجودة في أكثر من موقع بدرجات متقاربة، ويكفي أن أشير للحالة دون تسمية الجهة المسؤولة عنها، فيكون النقد عاما، والأخذ به متروكا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

إلا أن سكن أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز حالة فريدة من نوعها، بل غاية في التفرد، ويحتاج للنقد الصريح المباشر، وما يقال عنه ينسحب على غيره، لكن لماذا؟ لأن هذا الإسكان قد صُرفت عليه مبالغ مالية كثيرة، وتعثر لسنوات طويلة، ومؤخرا احتفلت به الجامعة احتفالا باذخا، وتغنى به المسؤولون داخل الجامعة وخارجها، سواء من السابقين أو الحاليين، ولكنه في الواقع ليس كما يقولون، ولا يستحق كل ما يتبهرجون به! أي نعم هو سكن جميل في مظهره ولكنه معيب في أدق تفاصيله!

فقبل عام تقريبا، وعلى لسان متحدثها الرسمي، أقرت الجامعة بوجود خلل في الإنشاءات، وملاحظات جوهرية وفنية في «تشطيب» مجموعة كبيرة من «الفلل» وألقت حينها باللائمة على المقاول المنفذ، وقالت إنها على استعداد كامل لمتابعته وملاحقته قانونيا، خاصة أنها لم تتسلم المشروع بعد، والأغرب من تصريحها هذا أنها بالرغم من عدم تسلمها للمشروع سلمت أعضاء هيئة التدريس وحداتهم السكنية! ومنذ وقت التسليم إلى اليوم وهي تستقطع من مرتباتهم الشهرية قيمة الإيجار! ربما الجامعة تستقطع منهم لترقّع ما وكَّتَه مسؤولوها ونفخه المقاول!

وليس أسوأ من الفعل السيئ إلا تبريره، حينما يتحدث أحد المسؤولين ويقول: إن الهدف الأساسي من تسليم الوحدات السكنية هو اكتشاف أخطاء المقاول من خلال الاستخدام والتجريب، وهو في الواقع إنما يكشف عن تواضع إدارته للمشروع، فأي بلوة ابتليت بها الجامعة في هؤلاء! وأي مصيبة وقعت فيها بانتهاج هذا الفكر الإداري المتواضع!

يعني لم تأخذ الجامعة في اعتبارها راحة الساكنين! ولم يخطر ببالها المعاناة التي يجدها الساكنون بسبب كمية الفوضى التي تحدثها أسراب العمالة الداخلة والخارجة إلى وحداتهم! ولم تفكر في الأموال التي صرفتها هي على أخطائها وما زالت إلى اليوم تصرفها على تصحيح تلك الأخطاء!

مستعمرات من النمل الأبيض تغزو إسكان الجامعة، يقابلها إخفاق واضح في كل محاولات صد الغزو ومنع الاحتلال، وسبحان الله كأن هذه الحشرة الصغيرة جدا، المعادية للإنسان تقول: يا أيها النمل ادخلوا مساكنهم فما نحن إلا ما جنته عليهم يد الإهمال والتقصير، ولا أحد يستطيع إنكار هذه الحقيقة، فمتحدث الجامعة نفسه اعترف صراحة بوجودها، وحمل المقاول سبب انتشار النمل الأبيض، وهنا نتساءل: ألم يكن لدى الجامعة خطة أولية لتحليل التربة عند عمليات الحفر والتسوية؟ بالتالي اكتشاف هذه المستعمرات أو غيرها من مشاكل التربة! ما سر هذا التساهل مع المقاول المنفذ ومع المكاتب الاستشارية حتى يقعوا جميعا في كل هذه الأخطاء؟!

ولا أدل على عسر إدارة مشروع إسكان الجامعة أكثر من تسربات الأسقف بالمياه الراجعة والآسنة في أنابيب التكييف المركزي، ورداءة «التشطيب»، و«المطبات» الاصطناعية المنتشرة في الإسكان الذي قلنا إنه يفترض أن يكون نموذجيا، وساكنوه في أعلى رتب المثالية والانضباط! وربما إذا هطلت الأمطار بغزارة على هذا الإسكان، أو حوله وحواليه، تحول نمله الأبيض إلى ضفادع سامة، وساكنوه إلى سياح أزمات في الفنادق ودور الإيواء لا سمح الله!

ليس من المنطق الصحيح أن نحمل المقاول وحده كل هذه الأخطاء، حتى لو كان هو السبب، لماذا؟ لأن الجامعة إما أنها كانت غائبة عن المشهد طيلة هذه المدة أو أنها كانت ترى ما تراه من الأخطاء وتغض الطرف عمن يرتكبها، وفي كلتا الحالتين الجامعة مسؤولة مسؤولية مباشرة عما حدث، واللوم يقع عليها بالدرجة الأولى، ويفترض أن تخرج إدارة الجامعة السابقة والحالية بتوضيح مفصل لما حدث في السابق ويحدث الآن، بل ويفترض أن يقف كل من له صلة بهذا المشروع أمام المساءلة القانونية إن دعت الحاجة! وإلا فما نقوله عن النزاهة ومحاربة الفساد في هذا الجانب سيصبح مجرد أوهام أو هرطقات ناسك!

والأخطر من هذا كله أن تستقطع الجامعة فواتير الكهرباء والماء من مرتبات الأعضاء الساكنين دون أن تقدم لهم تفصيلات الاستهلاك الدقيقة، فلا أحد يعلم مقدار استهلاكه من الكهرباء أو الماء، وسواء مارس الأعضاء «فضيلة» ترشيد الاستهلاك أو ضربوا بها عرض الحائط، الأمر عند الجامعة سيان، فالكل مستقطع منه، وأمور الاستقطاع هذه متروكة لتقديرات وتخرصات إدارة السكن، فالبعض يُستقطع من مرتبه شهريا ما لا يقل عن خمسة آلاف ريال! وهناك عهد مالية محفوظة لدى الجامعة مستقطعة من أعضاء هيئة التدريس تتعلق بما يسمونه عهدة السكن!

وبشكل أعم، وبعيدا عن هذا المشروع أو ذاك، قد يظن بعض المسؤولين الأكاديميين أن الإخفاق في مشروع واحد ضرره لا يتعداه إلى غيره من المشروعات، وهذا خطأ كبير، وسوء في الفهم والتقدير، وقصور في الإدراك المعرفي والوعي الإداري، وقد يظن المسؤول أنه بتقاعده أو تركه لمنصبه الإداري قد نجا من المساءلة، أو أنه بتسلمه منصبا إداريا أكبر قد حصن نفسه، وهذه سطحية ممجوجة! ألم نقل في أكثر من موضع إن الإدارات الميديوقراطية لا تنتج إلا ضجيجا وكلاما فارغا!

drbmaz@