عبدالله أحمد الأسمري

المسن ومقارعة الزمن

الاثنين - 12 أكتوبر 2020

Mon - 12 Oct 2020

نحن البشر نسير بأمر الله، يسخر لنا الكون لتسير دفة الحياة بجميع ألوانها وأشكالها، وأصبح الإنسان يكابد الحياة يبحث بنفسه طعامه وطعام غيره، مستخدما مدركات العقل، فضلا عن القوة الجسدية، والإنسان في سن الشباب كان زمانه زمان المسرات والملذات، فقد منحه الله قوة في بدنه وعقله، وأثناء قوته وبأسه كان يجول بحرية في الزمان والمكان ولا يقيم وزنا لما يحدث حوله، وقد ألبسه الله ثوبا من العافية، فاستشعر طعم الهناء، وألفى أمله يتجدد وهيأ له أسباب الطمأنينة.

لكن الزمان يحدث في بنية الإنسان متغيرا فسيولوجيا، حيث صيره شيخا هرما لا يقوى على مغالبة الدهر وعاد يأكل سياج حديقته ويثقل كاهله بأعباء الحياة وأسقامها، وحين الهرم تقذفه الحياة بعد أفول نجمه، بعد التغيرات الفسيولوجية يصبح شيخا هرما لا يقوى على مغالبة الدهر. ويجد نفسه في دائرة المحاق، حينها يبدأ الصراع النفسي ليجد نفسه في دائرة اللامنتمي، ويحدث متغيرات مضادة لواقعه، فالقوي يصبح ضعيفا، والصحيح يغدو سقيما وكل جديد سيبلى. صدق الشاعر لبيد العامري:

بلينا وما تبلى النجوم الطوالع

وتبقى الجبال بعدنا والمصانع

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه

يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

أخبر أخبار القرون التي مضت

أدب كأني كلما قمت راكع

ونستوحي من واقع الحياة الاجتماعية ممثلة في المسن، والهدف من ذلك هو الكشف عن المصير الذي يواجه العجزة والمسنين في ضوء الواقع الاجتماعي المعيشي في حالة ضعفهم وعجزهم، ووضع ضمانات اجتماعية تكفل بعض شؤون كل من يتعرض لتبعات الحياة الجافة، فالمسن يعاني من الغربة النفسية والاجتماعية.

والإنسان في رحلته الطويلة ومقارعته للدهر يصل إلى خط النهاية، والبعض يظن أنه سيقطف ثمار تعبه، معلقا الآمال على أبنائه، لكن كثيرا من المسنين يجد نفسه في حالة متردية، فقد عقه أبناؤه وقطعوا حبال الوصل معه، ويصبح تاريخه الحافل بالتضحية وهما لا حقيقة.

الحكاية الاجتماعية المفجعة التي يؤول إليها المسن حينما يصل إلى سن الشيخوخة والهرم، أنه يجد نفسه بين أهله ووطنه غريبا، حينها ينتبذ لنفسه مكانا في دار الرعاية الاجتماعية يتوارى فيه، لينضم إلى زمرته حيث المصير ذاته، وقد اعتراه اليأس بما أصابه من ظلم أهله، وهذا هو الانقلاب الفعلي للزمن.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال