علي المطوع

نشامى عسير.. للهمم بصمة

الاحد - 11 أكتوبر 2020

Sun - 11 Oct 2020

دشنت إمارة منطقة عسير قبل بضعة أشهر برنامجها الوطني نشامى عسير، ذلك البرنامج الذي يعنى بترسيخ مفاهيم العمل التطوعي من خلال شعار «مبادرون من أجل الوطن» الذي أطلقه تركي بن طلال أمير المنطقة، ليكون هذا البرنامج منسجما مع رؤية 2030 ومحاورها الأساسية الثلاثة: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح.

اندرج تحت هذا البرنامج عديد من المبادرات الجميلة التي نقلت مفاهيم الخدمة المجتمعية إلى فضاءات أرحب من المشاركة والإنتاجية، مرسخة مفهوم العمل الجماعي وقبل ذلك خدمة الوطن من خلال مبادرات عملية تحاول تأسيس شراكة مجتمعية بين المؤسسة الرسمية الأولى، ممثلة في إمارة المنطقة وباقي المؤسسات الخدمية الأخرى من جهة، في مقابل جهود جمعية لشباب منطقة عسير الذين تفتقت أذهانهم على مشاريع تطوعية جبارة نقلت مفهوم العمل التطوعي في خدمة الوطن والمواطن من مساحاته الضيقة والمحدودة إلى مساحات أكثر رحابة، يتشارك فيها الرسمي مع المجتمعي ليخرج لنا صورا رائعة شكلت مشاريع تنموية في منتهى الروعة والإبداع والجمال.

ممر السعادة أحد تلك المشاريع التي وقفت عليها، والذي تعاهدته رعاية وهمم أبناء قبيلة بني غنمي، كان أحد نتاجات هذه التجربة الأخاذة، هذا الممر عبارة عن عقبة قديمة تسمى بعقبة وادي فو، ذلك الممر الجبلي الشديد الانحدار الذي يربط قرى بني غنمي؛ سراتها بتهامتها.

في أزمان مضت وقبل أكثر من أربعمئة عام لم يستسلم إنسان هذا المكان لصعوبة تضاريس أرضه، ولا قساوة طبيعتها، فراح يفكر في حلول تسهل له العيش وتيسر له الانتقال من مكان إلى آخر، من هنا كانت تلك العقبة - عقبة فو - ممرا استراتيجيا للناس ودوابهم وأرزاقهم، هذا الممر كان يضمن حرية التجارة بين السراة وتهامة، ونقل المواشي والحبوب بين مناطق السهل والجبل، ومن ثم إعادة إرسالها وتوزيعها إلى الأسواق المجاورة، من أجل التبادل التجاري الذي يضمن العيش المشترك بين الناس لضمان استمرار الحياة وفق تبادل المنافع المعروف.

هذا الممر تعرض لعوامل تعرية كثيرة ساهمت في نسيانه وعدم استخدامه، لعل أهمها حالة الرخاء الاقتصادي التي عمت المجتمع العسيري، التي ساهمت في تلك النقلات الحضارية التي غيرت طرائق عيش الناس، فأصبحت السيارة وسيلة للنقل وصارت الطرق المعبدة المريحة بديلا لتلك الطرق الوعرة القديمة، لكن مبادرة نشامى عسير أعادت إحياء هذا الشريان الحيوي القديم، فتبنى شباب بني غنمي مشروع إعادة ترميم هذا الطريق وإحيائه من جديد، في سبيل دعم الحركة السياحية للمنطقة والمساهمة في تأصيل العمل التطوعي وربطه بالمكان والزمان والإنسان.

العمل في هذا الممر بدأ قبل عدة أشهر، وبجهود كلية من أبناء القبيلة وبإشراف من أمير المنطقة ودعمه المادي والمعنوي، الذي نقل العمل من مدارات الأماني والأحلام ليصبح واقعا أخاذا شاهدا على مرحلة نوعية من البناء والازدهار، وليكون مجتمع القبيلة هم شهود العيان، وصناع الأحلام في هذا المكان العزيز، فكان نتاج ذلك إعادة ترميم هذا الممر الذي بلغ طول المنجز منه نحو 8 كلم، ساهم في إخراج هذا العمل مختلف الأعمار وكانوا يدا واحدة في البناء والإنجاز.

مشاريع نشامى عسير كثيرة ومتعددة، وليست محصورة في نموذج ممر السعادة، بل هي مشاريع تغطي كامل منطقة عسير، كل حسب طبيعة منطقته وبما يتواءم وينسجم مع تاريخها وطبيعتها الجغرافية، وبما تمتاز به وتشتهر.

إن هذه المشاريع ليست مجرد مبادرات إعلامية ولا مساحات إعلانية للظهور، هي مفاهيم مجتمعية جديدة لتأصيل ثقافة العمل وحب الوطن، والدفع بالمبادرات البسيطة لتخرج وتصبح واقعا يغير المفاهيم ويعيد ترتيب الجهود لتأصيل ثقافة بناء الأوطان، التي تبدأ بالإنسان فكرة وبناء وعملا، وتنتهي إليه في صور من الإنجازات وشواهدها على مستوى المكان والإنسان.

alaseery2@