عبدالله علي الشهري

التعلم العميق في برامجنا الأكاديمية

الخميس - 08 أكتوبر 2020

Thu - 08 Oct 2020

أعطني وقتا للتفكير Give me Time to Think عنوان كتاب ألفه مجموعة من الباحثين في جامعة اولو الفنلندية عن دراسة لتحديد العبء الدراسي Determining students workload المناسب لطلاب البرامج الأكاديمية الجامعية في مرحلة البكالوريوس.

من أهم ما خلص إليه الكتاب أن كمية المحتوى وعدد المقررات الدراسية لهما علاقة مباشرة في فاعلية ونجاح عملية التعلم لدى الطالب. فكلما كان العبء الدراسي مناسبا لساعات اتصال الطالب بالمقرر سواء داخل الجامعة أو خارجها، سيصبح الطالب أكثر ميلا للتعلم العميق أو ما يعرف بـ Deep Learning الذي يتيح للطالب الوقت الكافي للتفكير والمعالجة العقلية.

فخلال عملية التفكير تكون المعرفة الجديدة متصلة بما هو معروف من قبل ويعكس الطالب على الأدلة التجريبية ليتم فهم المعاني والأسباب، وحينها يمكن التمييز بين المفاهيم ذات الصلة من غير ذات الصلة، وفصل الأجزاء والوحدات والتمييز بينها، وحل التمارين وإجراء النقاش مع الطلاب الآخرين، وكتابة المقالات وغير ذلك من الأنشطة العقلية.

ويشير الكتاب إلى أن زيادة العبء الدراسي للطالب students workload يؤدي إلى صعوبات لدى الطالب في تمييز علاقة المحتويات ذات الصلة مع بعضها، وسيتوجه تعلمه تلقائيا نحو الحفظ الذي يؤدي بدوره إلى التعلم السطحي Surface Learning، حيث يتركز جهد واهتمام الطالب فقط على كيفية اجتياز المطلوب منه بالحد الأدنى.

كما يشير الكتاب إلى أن العبء الزائد هو عامل رئيسي في تحديد عادات التعلم، فالطلاب الذين يعانون من العبء الزائد هم الأكثر عرضة للتعلم السطحي، حيث إن الزيادة المفرطة فيه مرتبطة بشكل وثيق بنهج التعلم السطحي.

والأمر صحيح كذلك أن الطلاب المعرضون للتعلم السطحي يشعرون في العادة بثقل وزيادة في العبء الدراسي لديهم.

تعيش جامعاتنا الوطنية تحولات شاملة وكبيرة وبخطوات متسارعة في تحديث وتطوير برامجها الأكاديمية، سعيا منها لمواءمة مخرجاتها مع متطلبات سوق العمل ومواكبة مثيلاتها العالمية وتلبية معايير الاعتمادات الأكاديمية الوطنية منها والدولية.

ومن المؤكد أن الخطط الدراسية للبرامج الأكاديمية في جامعتنا تحظى باهتمام وحرص كبيرين لما لها من أهمية في تحقيق المستويات المرغوبة لنواتج التعلم learning outcomes.

ومن ضمن ما يجب التوقف عنده وإعادة النظر فيه هو كثرة عدد المقررات الدراسية الفصلية التي تحويها كثير من الخطط الدراسية في برامجنا الأكاديمية الجامعية، وما يترتب عليها من زيادة في ساعات الاتصال المطلوبة، وعلاقة ذلك بالتعلم السطحي الذي يؤثر بدوره في مستوى نواتج التعلم لها.

فالزيادة في عدد المقررات الدراسية الفصلية وساعات اتصالها يعني جدولا دراسيا مزدحما على الطالب وعبئا زائدا يؤدي إلى تشتته وانخفاض في مستوى تركيزه، وشعوره بالإرهاق، وسيدفع بميوله نحو التخلي عن استراتيجية التعلم العميق، ويدفعه إلى التحرك نحو السطح أو القشور. قدرة الطالب على قراءة واستيعاب كمية معينة من النص مرتبطة مباشرة بالمدة الزمنية المناسبة لها، فكما هو معروف بأن العلاقة بين الوقت والتعلم هي أولا وقبل كل شيء علاقة منطقية، ويعني ذلك أن التعلم لا محالة يحدث في المدة الزمنية المناسبة من وقت الطالب.

من الصواب عند إعداد الخطة الدراسية للبرنامج الأكاديمي، أن نضع أمام أعيننا مفتاح الحكمة القائل إن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، والقصد هنا تجنب الإفراط في عدد المقررات الفصلية مع زيادة تكرارها الزمني.

فبتقليل عدد المقررات الفصلية واحتوائها على ساعات الاتصال المناسبة، سيتاح للطالب اتصال زمني أطول مع المقرر، سواء داخل القاعات والمعامل أو خارجها، وهو ما سيفسح المجال لحدوث عملية التعلم العميق المنشودة. فجوهر التعلم كما نقله أهل العلم أن في القليل المتكرر دواما وبقاء وفي كثرته انقطاعا وفرارا.