محي عبدالله القرني

التعليم ما بعد كورونا

السبت - 03 أكتوبر 2020

Sat - 03 Oct 2020

سنتحدث عن زوايا أخرى بعيدا عن مكامن الإحباط المصاحب للتعليم الالكتروني من ضعف شبكات الاتصال والإرهاق المالي للأسر بتوفير أجهزة لكل طالب ملتحق بالتعليم العام، ولن أضع ضعف التدريب العملي للكادر التعليمي أو لأولياء الأمور تحت المجهر. سنأخذ منحى آخر عن التحديثات المستمرة للمنصات التعليمية وهشاشة الترابط ما بين البرامج التي تصب في وعاء التعليم الحديث، وسنحلق بعيدا عن الضغط من إدارات التعليم ومكاتبها التي كان الاجتهاد في معظم قراراتها سباقا مع الزمن.

سأتحدث عن الأنوار الخافتة التي يحاول فارغ الإناء إخفاءها من أجل أن يواري سوأة ضعفه في التطوير الذاتي والمهني، لأن رغبات المُتذمر هي تلبية احتياجات نفسية تُريد العيش في الماضي حتى يتوارى الجثمان تحت أتربة الجهل، فيرى أن الخروج من منطقة الراحة هو الحكم عليه بالموت.

نحن نستعد لمرحلة جديدة ولمستقبل تقني نودع فيه الأوراق التقليدية والتعاملات الروتينية التي أحرقت الوقت وزرعت الإجهاد في الجسم والفكر.

التعليم الالكتروني قادر على أن يردم الهوة ما بين المدرسة والأسرة، لتتحول نقاط التباعد السابق إلى جسور مُشتركة وأرضية أكثر ثباتا لبناء جيل سيقود المستقبل قريبا.

في فناء الدروس الافتراضية المتزامنة تجد المعلم وولي الأمر والمُشرف ومديري الإدارات ووزير التعليم في قاعة تعليمية واحدة، والكل يُشاهد ويُتابع تحسين الأداء، ويتعرف كل الأطراف على نقاط القوة والضعف في المستوى التحصيلي، مما يتمخض عن هذا التقارب هدف مُشترك ورؤية واحدة وعمل جماعي عنوانه رفع المستوی التعليمي والمعرفي للطالب.

ساحات التعليم الافتراضي ستوفر هم زيارة المدارس، وعناء السؤال عن مستوى وسلوكيات فلذات الأكباد وتودع هالة الخوف من شبح المواصلات، ورعب قصص مخاطر الطريق، ومن مغانم التعليم عن بعد هو تقليل النفقات المنثورة في رحاب المكتبات التقليدية ودور الخياطة والمستلزمات المُصاحبة لكل عام دراسي جديد.

أعلم يقينا أن وزارة التعليم لم تتخذ هذه الخطوة إلا ولديها إحصاءات دقيقة وتحديثات يومية بكل العوائق المُصاحبة، وهي تعمل جاهدة مع مؤسسات وشركات أخرى لإيجاد الحلول العاجلة، ومن أهمها توفير وتقوية شبكات الاتصالات في كل موضع شبر تتواجد به أسرة..

ملف مراحل التأسيس الأولية من أثقل الملفات على طاولة الوزير، أعانه الله على ذلك، فكثيرون ينتظرون إجراءات جديدة حول هذا الملف.

نحن نسير للأمام بخطوات وفق رؤية وأهداف محددة والرجوع إلى الخلف قد يكون مستحيلا في ظل المتغيرات والأحداث المتسارعة التي يعيشها العالم. فترة جائحة كورونا أعاذنا الله وإياكم من شرها هي من المتوقع أن تكون الفاصل ما بين ماض تقليدي للتعليم وما بين مستقبل تقني يتطلع للأفضل، ولو عادت الحياة إلى طبيعتها سيكون الوضع مختلفا تماما، حتى ولو عدنا تدريجيا إلى المدارس فهناك زي آخر وتنظيمات سنلاحظها جلية واضحة.

موجة التغيير ستجتاح العالم في جميع المجالات، ومن أهمها مجال التعليم، وسيكون السباق التقني القادم هو العلامة البارزة التي تُظهر قوی الدول ومدى تقدمها وإنتاجيتها.

هناك نقطة مهمة جدا علينا التركيز عليها وإعطاؤها اهتمام وتثقيف أوسع وتعليم أبنائنا مدى خطورتها على الفرد والمجتمع، ألا وهي الأمن المعلوماتي والاختراقات المُحتملة للأجهزة.

نعلم أن هناك عشرات الأسئلة تُحلق فوق رؤوس الكثيرين، ولم تجد لها إجابات واضحة، وأعلم أن هناك من يسحب نظارات مكامن الجمال عنوة بعد قراءة هذا المقال ليضرب الحبر بسياط النقد، إما غاضبا أو متهكما أو ساخرا أو جادا، ولكن أقول له: نحن جميعا في خندق واحد، فأنا ابن قرية تحتضنها الجبال يودع ذبذبات الشبكة أكثر من استقبالها، وينظر مُستبشرا لأضواء البرج البعيد عن منزله أكثر من استمتاعه بنجوم ليلة صفاء مُظلمة.