ياسر عمر سندي

الإدارة الانسحابية

الأربعاء - 16 سبتمبر 2020

Wed - 16 Sep 2020

متعددة تلك الإدارات في فلسفاتها، ومتنوعة أيضا في أساليبها وطرق أدائها، وكذلك تختلف أنماط الإدارة باختلاف منهج وفكر وشخصية من يتولى زمام أمرها، وبيده عقدة قرارها لأي نشاط من أنواع المنظمات، مثل المنظمات الربحية في استراتيجيتها وهدفها من حيث تعظيم الأرباح، وتخفيض المصروفات، وتنقسم إلى نوعين أيضا تجارية عائلية بنظام تعيين معتمد، وتجارية خاصة بمجلس إدارة منتخب. وكذلك المنظمات الخدمية، وهي التي تنشأ في مجملها وتوجهاتها لتقديم مختلف المنافع والخدمات للمستفيدين، وغرضها الرئيس تحقيق الرضا وسد حاجة الجمهور، إضافة إلى المنظمات المختلطة شبه الحكومية، التي لها إجراءات وأنظمة تعمل بأسلوب المؤسسات والشركات الخاصة في هيكلها التنظيمي وتتمتع بالمرونة والكفاءة، وتستمد قوتها وصلابتها من إشراف الدولة عليها.

وبطبيعة الحال، فإن لهذه المنظمات هويات بحسب الشخصيات، وتعمل على ثلاثة مستويات عامة: عليا، ومتوسطة، وتنفيذية، وتقوم على أساس هياكل تنظيمية توضح التدرج الوظيفي والتنظيمي لكل مستوى، وما يتبعه من صلاحيات ومن يتبعه من موظفين، والشاهد في الأمر أن للتركيبة الشخصية للمشرفين، والمديرين، والتنفيذيين، وأصحاب القرار في الإدارة العليا؛ دور فاعل في تحديد طبيعة الإدارة، وهنا يكمن بيت القصيد؛ في التوليفة التي تشكل هذا المسؤول في المحصلة النهائية، وشخصيته التي يتعامل بها مع الموظفين بطريقة مباشرة أو غيرة مباشرة.

المسؤول صاحب الشخصية الانسحابية، وهو ما سأتحدث عنه من حيث سلوكياته وتصرفاته داخل النطاق الإداري، هو من لديه تراكمات منذ التنشئة الوالدية، في مراحله الأولية، وبحسب نظرية الشخصية في علم النفس، فإن الطفل من سن سنتين إلى سبع سنوات تقريبا يطلق عليه «الإسفنجة» أو «الشخصية الإسفنجية»، بسبب طبيعة هذه المرحلة التي تقوم على امتصاص كل ما يدور حولها من نماذج تربوية سلوكية، ولفظية، وفعلية، وإيمائية، كالقسوة والتهميش والاحتقار والشتم والضرب، أو على النقيض من ذلك من أسلوب الدلال الزائد، والتلبية الفورية لكل ما يطلبه، وعدم الوقوف على الأخطاء وتصحيحها، وتعزيز جوانب الإيجاب والمحافظة عليها، سينشأ الطفل ويتربى على الانسحاب من المواقف التي تتطلب القرارات المصيرية في حياته، والمنصب الإداري يتطلب الأنماط القيادية التالية: الوضوح، والحزم، والديمقراطية، والالتزام، والاحترام، وهذه التوليفة مطلوبة في إدارة دفة المنظمة أو القطاع أو الإدارة، بتطبيق وظائف الإدارة تطبيقا سليما مثل التخطيط والتوجيه والتنظيم والرقابة.

فالشخصية الانسحابية تتعزز في أدائها، وتتنامى بسبب ما يسمى في علم النفس بـ«لب الصراع» وهي نقطة تمحور المشكلة في الشخصية، من حيث التهرب والانسحاب وعدم المواجهة نتيجة ما طرأ عليها من تعذيب أو تفريط في الصغر، فيبدأ هذا المسؤول أو المدير والتنفيذي بالعمل على إسقاطات الماضي في اللاشعور، واجترار ما نال شخصيته من تشوه وعبث، ليطرحه على الموظفين ومن هم في دائرة إشرافه ونطاقه الإداري على مستوى الشعور والواقع في التعامل اليومي، فيبدأ على سبيل المثال بإصدار قرارات عشوائية لا يراعي فيها الموظفين وروحهم المعنوية.

كذلك عند مواجهة هذا المسؤول في أي أمر إداري أو قرار تنظيمي، يبدأ ممارسة دور الانسحاب الموقفي بعدم المواجهة والتهرب والمراوغة، أو عدم الرد والتطنيش والتهميش تارة أخرى، أو بالمماطلة والمجادلة بلا فائدة ولا هدف، ويعطل بذلك المصالح العامة للموظفين والمراجعين. فلا هو بالشخص القوي الذي يتحمل المسؤولية ويحمي موظفيه، ولا هو بالشخصية القادرة على مجابهة التعديل والتعليل لما حدث.

وأصحاب الشخصيات الانسحابية يتركون آثارا سلبية في نفوس الموظفين بين بعضهم البعض بسبب اختلال واعتلال العملية الإدارية غير العادلة التي تتم باستخدام أسلوب الإقصاء والإدناء في التعامل، فيقربون فلانا ويستخدمونه للمواجهة كستار وحجاب لما يجري خلف الكواليس، ويبعدون فلانا عن دوائرهم لانتفاء مصالحهم معه، وكذلك يلجأ صاحب الشخصية الانسحابية إلى منهجية فرّق تسُد، لافتقاره لجانب المعرفة الإدارية، بافتعاله المشاكل التنظيمية والإدارية وإحداث الخلافات المهنية والشخصية بين الموظفين.

الإدارة فن وذوق وأخلاق وقيادة، وتحتاج إلى شخصية قوية في أساسها وتأسيسها البنيوي النفسي والمعرفي، للمحافظة على الرونق الإداري والتنظيمي، فالتعيين والترشيح للمناصب القيادية في المستويات المختلفة يتطلبان إجراء اختبارات نفسية للشخصية متعددة الأوجه MPTI، واختبارات للمعرفة الوظيفية والثقافة العامة، إضافة إلى المهارات المطلوبة في اختيار الكاريزما القيادية للمنصب.

فالشخصية الانسحابية ما هي إلا إدارة انسحابية مصيرها ويلات كارثية.

@Yos123Omar