مرزوق بن تنباك

الحالة السنغافورية والدول الخليجية

الثلاثاء - 25 أغسطس 2020

Tue - 25 Aug 2020

سنغافورة مدينة أو دولة أو كما تريدون، لا تهم الأوصاف، المهم الحديث عن ماذا كانت وكيف أصبحت من الناحية الديمغرافية فقط، وليس من الناحية الاقتصادية ولا غيرها مما حققته من مكاسب.

الأثر الديمغرافي ونتائجه هو ما يهمنا هنا،.

كانت سنغافورة مدينة محشورة في خاصرة أرخبيل المالايو الذي هو ماليزيا اليوم، وهي جزء من سلطنة جوهر المعروفة، وكان المستعمر البريطاني هو الحاكم ويده الطولي فيه، وكان بعض الصينيين من الجارة القريبة قد ضاق بهم بر الصين العريض وبحثوا عن العمل فيما جاورهم من البلاد، وماليزيا جارة تحتاج إلى الأيدي العاملة والرخيصة والمطيعة أيضا، وكذلك المستعمر البريطاني بحاجة إلى الإنتاج والعمل الرخيص والأيدي الطيعة، وليس هناك أرق من الصينيين وأطوع منهم، لا سيما القادمين من البر الصيني الذين طحنتهم الثورات والحروب في بلادهم ففروا للبحث عن حالة أفضل.

تكاثر الصينيون في سنغافورة وازدادت أعدادهم يوما بعد يوم. كانوا في البداية عمالا بائسين يبحثون عن لقمة العيش وليس غير ذلك.

عمل الجيل الأول منهم عمالا فيها وتتابعوا وتوالدوا وأقاموا، ونشأت منهم ناشئة لا تعرف غير سنغافورة، بها ولدوا وتعلموا واستقروا، وجاء مع الأغلبية الصينية أقوام آخرون من الهند وغيرها، ومع مرور الوقت اتخذ السكان اللغة الإنجليزية لغة التعليم والثقافة والتعامل، وانقطعوا كليا عن لغة وثقافة ماليزيا وكونوا ثقافتهم الخاصة بهم، غفل المالايو أو تغافلوا واستهانوا عما يشكله الخطر الديمغرافي عليهم وعلى مستقبلهم ومستقبل جزيرتهم.

عندما استقلت ماليزيا انضمت للاتحاد الماليزي بعض الوقت، ولكن تنكو عبدالرحمن، أول رئيس للاتحاد وجد أنها قد انفصلت بثقافتها ولغتها وسكانها عن الملايو، فعدد الصينيين من سكانها 80% والملايو 14%.

وهذه النسبة الكبيرة من السكان أبناء المهاجرين لا يمكن التخلص منهم ولا عودتهم إلى بلدانهم التي جاؤوا منها، بحجة أنهم أبناء سنغافورة، تربوا فيها واكتسبوا حقوق المواطنة الكاملة بالمولد والنشأة والإقامة في نظر العالم، ولن يعودوا إلى البلدان التي قدم منها آباؤهم، محتجين بأن اللغة والثقافة وأغلبية السكان منفصلة عن ماليزيا ومستقلة عنها، ومع دعواهم وقفت منظمات العالم الحقوقية تساندهم وتؤيدهم في حقهم واستقلالهم حتى عن الوطن الأم الملايو الذي لا يمثل أبناؤه من سكانها غير 14%، بينما يمثل أبناء المهاجرين وأغلبهم من الصين 87%.

تغلب اعتبار الأغلبية السكانية وجاء التصويت لصالح الاستقلال فسلخت سنغافورة التي تعرفونها عن أرض ماليزيا. وأصبحت لا تمت لماليزيا بصلة، لا ثقافة ولا لغة ولا دينا ولا سكانا أيضا، وودعها الماليزيون إلى غير رجعة، ومن بقي فيها منهم أصبحوا أقلية عددية كأي أقلية أخرى مستضعفة في بلادها ومغلوبة على أمرها.

لعبت حيل الديمقراطية لعبتها واتخذت الديمغرافية سلاحا لها واقتطعت جزءا من أرض ماليزيا بلا حرب ولا قتال، وهكذا تعمل الغفلة والاستغفال واستغلال الأذكياء للفرص المتاحة.

يخبرنا زعيمها وبانيها لي كوان يو أنه استعان سرا بخبراء من إسرائيل ومدربين ومستشارين، وأن جيشه تشكل على نموذج قوة الدفاع الإسرائيلي، ولم يقل لنا إن هؤلاء الخبراء والمستشارين والمدربين الإسرائيليين هم الذين دقوا إسفين الانفصال عن الدولة الأم، مستغلين الأكثرية المهاجرة وحقوقها والثقافة الأجنبية التي فصلتهم لغويا وثقافيا عن حضارة الملايو، نكاية بالدولة الماليزية التي كانت تناصر الحق الفلسطيني.

تُرى هل للحالة السنغافورية شيء من الشبه عندنا في دول الخليج العربية؟ هل تواجه دول الخليج الحالة نفسها؟ أليست الديمغرافية في بعض الدول في المنطقة هي نفسها النسبة التي كانت في سنغافورة 80%؟

أليست أغلبية السكان في دول الخليج سكانا مهاجرين لا يمتون بصلة للعرب؟ ألسنا قد اتخذنا اللغة الوسيط بين السكان لغة أجنبية وليست اللغة العربية ولا الثقافة العربية؟ ألسنا اليوم نواجه عددا كثيرا من السكان في دول الخليج ولدوا وتربوا وتعلموا لا يعرفون البلاد التي جاء منها آباؤهم وأجدادهم؟ أليست الثقافة العربية ولغتها قد انزوت في مكان قصي وأصبحت اللغة الإنجليزية هي الوسيط بين السكان في دول الخليج كما كانت في سنغافورة حينذاك؟

فكروا قليلا لو لعبت الديمقراطية في دول الخليج لعبتها في سنغافورة ولو بعد عشر سنوات أو عشرين سنة، وساعدتها منظمات حقوق الإنسان كما فعلت في سنغافورة وأعطتهم حقوق المواطنة، ولعب الخبراء والمستشارون الإسرائيليون القادمون حديثا للخليج لعبتهم في سنغافورة، وهم سيلعبونها بلا شك، ماذا ستكون نتيجة الديمقراطية؟ ولمن تكون أغلبية الأصوات؟ ومن ستختار أكثرية السكان؟ ولمن ستصوت؟ كل منكم عرف إجابات هذه الأسئلة.

سيصبح العرب أقلية بلا شك في أغلب دول الخليج، لكن لن يصبح الحكام الذين تأتي بهم لعبة الديمقراطية عربا بكل تأكيد.

هل تفكرون بما سيصير إليه الحال، أم تتركون الدرعاء ترعى؟

Mtenback@