زيد الفضيل

تطبيل الحمقى

السبت - 22 أغسطس 2020

Sat - 22 Aug 2020

في حالة بالغة من الانزعاج غرد الأكاديمي الإماراتي الكاتب السياسي الدكتور عبدالخالق عبدالله موجها حديثه لبعض بني وطنه ممن زايد في موقفه بعد إعلان الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي قائلا لهم: «الحكومة لم تطلب منكم كل هذا التطبيل، ولا أن تكونوا حكوميين أكثر من الحكومة. نحن أمام حدث سياسي صعب ومعقد ولسنا في عرس، نصفكم غير فاهم القصة، وربعكم كالأطرش في الزفة، وبعضكم صار صهيونيا أكثر من الصهاينة، هرولتكم غير مطلوبة أصلا، وأنتم تسيؤون أكثر مما تفيدون دولة مقبلة على حدث مفصلي ضخم».

كلمات لا تحتاج إلى شرح أو تعليق، وتعكس جوهر أزمتنا المجتمعية اليوم، فحين يتجاهل كثير من المغردين مرتكزات صراعنا العربي مع الكيان الإسرائيلي الذي يحتل أرضنا الفلسطينية، بل وتجدهم يعلنون بكل جرأة وجهل بأن قضية فلسطين ليست قضيتهم، فذلك هو الخسران المبين، وهو إقرار مخجل بالهزيمة النكراء أمام صلف كيان صهيوني أبى أن يتنازل أو يقبل أي مبادرة سياسية تقدم بها قادتنا العرب من أجل تحقيق السلام العادل والكريم.

أقسم أن الألم في النفس كبير، ليس بسبب توقيع اتفاق سلام بين دولة عربية وإسرائيل، فذلك أمر سيكون واقعا ومحتما قصر الزمان أو بعد، وهو مرهون بقرار كل دولة وظرفها السياسي على وجه الخصوص، وفي السياسة لا مشاحة في ذلك، فهي فن الممكن ابتداء وانتهاء.

لكن ألم الغيورين ليس من ذلك القرار السياسي، وإنما من تدافع الحاضنة المجتمعية بوجه عام، ودون وعي وإدراك، صوب التماهي مع مجتمع لا يأبه بهم، ويستمرئ أفراده ثقافة الاحتلال، منتهكين صبحَ مساء وبكل برود حرية وكرامة إنسان آخر ينتمي إلى أمتنا العربية (المسلمة والمسيحية) بوشائج القربى والدين والأخوة الإنسانية، ويزداد الألم حين تظهر بعض الأصوات المعروفة لتعلن بكل جرأة وفجور كرهها لشعب فلسطين المكلوم، بسبب تعاطي أحد أبنائهم، أو فصيل أيديولوجي منهم، بصورة مسيئة وغير مقبولة لنا في المملكة والخليج جملة؛ وكم يحضرني أمام هذا المشهد موقف الملك فيصل حين كرر عليه مندوب صحيفة اللوموند الفرنسية إساءات الرئيس جمال عبدالناصر حال احتدام الخلاف بينهما إبان فترة الستينات وحرب اليمن، فما كان من الفيصل العظيم إلا أن أجاب بأن الرئيس عبدالناصر أخ كريم، وأن مسار الخلاف سينتهي قريبا، ثم وحين تعرض الجيش المصري لتلك الهزيمة الساحقة في حرب 1967م لم يتوان الملك فيصل عن تقديم كل المساعدة المادية والمعنوية لمصر ودول التحدي والصمود أو الطوق كما كانت تسمى في حينه.

تلك هي الروح العربية الأصيلة التي صرتُ وغيري نبحث عنها في أحرف وكلمات بعض المغردين المعروفين بشخوصهم، والبعض منهم ممن حاز مكانة كبيرة في عالم المعرفة والثقافة، لكنهم وللأسف سرعان ما سقطوا في وحل الخنوع والخزي، ودون أن تطلب حكوماتهم منهم ذلك، وليس لقولهم أي تأثير إيجابي في إقرار ما تقتضيه السياسة من موازنات، بل لعلهم يشكلون حملا ثقيلا على ذلك السياسي الذي يريد أن يناور حتى الرمق الأخير في سبيل تحقيق مكاسب من أي اتفاق سياسي يوقعه مع عدو محتل.

أمام هذا السقوط المجتمعي المريع، وظهور عديد من الأصوات المثيرة للفتنة ضمن محيطنا العربي، أرى أنه قد بات واجبا على الصعيد الوطني التصدي لتك الأصوات الموغلة دون وعي في مختلف قضايا الصراع، فما أهلك شعوبنا العربية إلا تداخل الحمقى من كل جهة، الذين تحركهم عواطفهم المشوهة، وعقولهم المحدودة، ورؤيتهم القاصرة، فيوغرون من هنا وهناك بألسنة حداد، ولا يستفيد من كل ذلك سوى الكيان الصهيوني الذي كان ولا يزال يستهدف تفتيتنا إلى دويلات طائفية وعرقية ومذهبية إن تم له ذلك.

أخيرا، كم أرجو أن تدعم الحكومات العربية الموقعة مع إسرائيل ومن خلال مؤسسات مجتمعها المدني، تعزيز التعاون المؤسسي الأهلي مع فلسطينيي دولة إسرائيل المعروفين بعرب إسرائيل، وهم الواقعون تحت الاحتلال منذ عام 1948م، وباتوا ضمن الجنسية الإسرائيلية قانونا، علاوة على دعمها المؤسسات البحثية الاجتماعية لاستعادة اليهود العرب، فهم ينتمون إلينا تاريخيا أكثر من انتمائهم إلى الأشكناز، الذين ينظرون إليهم بمثل نظرتهم إلينا. والله غالب على أمره.

zash113@