أحمد محمد الألمعي

خواطر نفسية في زمن الكورونا: أسباب المرض النفسي وراثية أم ضعف في الدين والشخصية

الخميس - 20 أغسطس 2020

Thu - 20 Aug 2020

بدأ الجدل حول أسباب الأمراض النفسية منذ أوائل القرن الثامن عشر الميلادي وما زال مستمرا حتى يومنا هذا في بعض الأوساط لأسباب مختلفة.

والمعتقدات حول هذا الموضوع تتوافق أحيانا بشكل غريب بين الغرب والشرق.‏ فمن المعتقدات الخاطئة ‏كون الأمراض النفسية نتيجة للسحر والحسد ‏أو ضعف في الشخصية والدين ‏ولا حاجة لذكر أن هذه المعتقدات تساهم في إذكاء الوصمة الاجتماعية للأمراض النفسية بشكل كبير.

في بداية تأسيس علم الطب النفسي‏ وفي غياب التقنيات المتقدمة للبحث العلمي كانت غالبية نظريات أسباب الأمراض النفسية ‏تتمحور حول فرضيات اجتماعية وبيئية وشخصية ودينية ‏وتعكس تلك الفرضيات ثقافة الشعوب في ذلك الوقت. في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ‏طور ‏العالم النفسي سيجموند فرويد ‏نظرية التحليل النفسي وشكلت في ذلك الوقت ثورة في هذا المجال. ‏وتعتمد هذه النظرية على مرتكزات ‏تشير إلى أن ‏تجارب الطفولة لها دور رئيس في تشكيل الشخصية ونشأة الأمراض النفسية كما ركزت على دور النزعات الجنسية ‏في وضع قالب معين لتفكير الفرد وتصرفاته ‏ولا ننسى دور اللاوعي في هذه النظرية.

‏مع تطور تقنيات البحث العلمي في النواحي البيولوجية والجينية وتقنيات الأشعة الحديثة بمختلف أنواعها، ‏اكتشف العلماء والباحثون الكثير عن أسباب الأمراض الطبية والنفسية، فتقنية ‏الجينات الحديثة أحدثت ثورة كبيرة في الحقل الطبي ما زلنا نعيش أحداثها، ومن المتوقع أن يكون لها أثر كبير في اكتشاف العوامل الجينية الوراثية للأمراض. ‏استخدام ‏تقنيات النظائر المشعة وتقنيات الأشعة الحديثة ‏كان له أثر كبير في اكتشاف التغييرات في الدماغ البشري واكتشاف دور النواقل العصبية في الدماغ.

نتيجة لذلك ‏فقد وصلنا لتفسيرات أدق ‏لأسباب الأمراض النفسية تركز على اختلال في الجينات والنواقل العصبية في الدماغ ‏والنواحي البيولوجية، وكنتيجة طبيعية لذلك فقد ألغت هذه الأبحاث كثيرا من نظريات التحليل النفسي ‏كالدور ‏الرئيس للنظريات الجنسية في كثير من تصرفات البشر. العلم الحديث لا ينكر دور النواحي ‏البيئية ‏مثل الضغوط والصدمات النفسية في مرحلة الطفولة وتأثير ذلك المهم في نشوء بعض الأمراض النفسية ‏ولكن تقنية البحث العلمي الحديث أضافت ‏تفاصيل إلى هذه الصورة ‏تتمثل في وجود تغييرات بيولوجية ‏في الدماغ كنتيجة لهذه التجارب.

‏ليس هذا فقط بل قد نذهب أبعد من ذلك نظريا في تفسير طبيعة شخصية الفرد وطريقة التفكير والتصرفات بناء على ‏تغييرات في النواقل العصبية في الدماغ أو حدوث خلل فيها. ‏ويتم تصميم كثير من الأدوية النفسية الحديثة بناء على هذه الفرضيات التي تستهدف نواقل عصبية وأجزاء من الدماغ بعينها. ‏

ولنأخذ مثلا ‏اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في الأطفال، ‏فقد أثبتت الكثير من الأبحاث العلمية الحديثة وجود خلل في النواقل العصبية يشمل الدوبامين والايبينفرين ‏كمسبب للأعراض ‏وتقوم الأدوية الموصوفة للعلاج بتصحيح ذلك الخلل وبالمثل فقد أثبتت الأبحاث العلمية للاكتئاب وجود خلل في السيروتونين والايبينفرين ‏ وتقوم الأدوية المضادة للاكتئاب بتصحيح ذلك الخلل وهذا وصف مبسط جدا لتمكين القارئ من فهم الصورة. ‏كل ما تقدم يوصلنا إلى استنتاج علمي واضح لأسباب المرض النفسي ‏بعيدا عن السحر والعين وضعف الشخصية والدين.

‏وآمل ‏أن يساهم هذا الشرح في تقليل الوصمة ‏الاجتماعية للمرض النفسي وتشجيع طلب العلاج في المستشفيات من قبل المختصين بعيدا عن ‏الخزعبلات ‏والممارسات العشوائية مثل استخراج الجن ‏وعلاج ما يسمى بتنسيم في الرأس وما إلى ذلك من ضروب الجهل التي ما أنزل الله بها من سلطان. وأختم بحديث في مسند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود يرفعه «إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله».

AlmaiAhmad@