رابعة منصور

في التجنيس.. قل مِمَّ تخاف أقل لك من أنت

الاحد - 09 أغسطس 2020

Sun - 09 Aug 2020

قضية تجنيس أبناء غير السعوديين من أم سعودية تعود للواجهة مرة أخرى بذات الصخب وذات الآراء المؤيدة والمخالفة.

قد يكون الفرق الوحيد هو طرحها في خضم أحداث أمنية واقتصادية متردية عالميا، ومستجدة ومعقدة نوعا ما محليا.

معدلات بطالة متزايدة، ضرائب، وحس شعبوي متنام، كل تلك العوامل مجتمعة تضع الناس تحت وطأة ضغوط نفسية تجعل من الخوف وشعورالتهديد عناصر مهيمنة على الناس.

قد يسأل سائل: ما الخوف الذي يسكن الناس ويصل بهم لدرجة الشعور بالتهديد؟ ولأجيب على السؤال سأكون صريحة للغاية وسأسمي الأمور بمسمياتها كما أطالب الجميع بذلك دائما.

كانت محاور الأمن القومي والانسجام الاجتماعي والتركيبة السكانية هي التبريرات التي تسيدت آراء الرافضين لتجنيس أبناء غير السعوديين من أم سعودية، لكن الحقيقة اليوم صارت أعمق من ذلك، خصوصا بعد أن ساهمت السوشيال ميديا في الكشف عن حقائق كانت طي الكواليس لفترة.

ربما يكون رفض التجنيس اليوم عاما وخاصا. بالنسبة للشق العام، فالسعودي اليوم يدرك أن الحاضر ليس كما الأمس، وأنه معني باستقرار بلده وحكومته بعد أن ذابت الحدود العالمية بفعل السوشيال ميديا. وعي السعودي اليوم يستشعر قضية وطنه، وعلاقته بحكامه صارت استراتيجية أكثر من أي وقت مضى. تلك العلاقة المميزة والتي أعتبرها أنموذجا، يدافع عنها المواطن السعودي بكل قوته، لأنه يستمد منها أمانه في مواجهة التحديات المعاصرة. ولأننا على الأرض ولسنا في الجنة، فإن هذا الانسجام يكدره تحدي البطالة بكل تبعاته، وتحدي النفس العنصري الموجود أصلا في وطننا والذي يستدعي جهود العلاج وليس التمويه والتغطية. فمفردات المكونات والمجتمعات صارت حاليا واقعا في المجتمع السعودي.

أما عن الشق الخاص، فيكمن في الأمور التي تموه غالبا ولا تطرح بالصراحة التي تتطلبها منهجية تشخيص العلل لإيجاد الحلول وألخصها في أربع نقاط:

1 ـ حقيقة أن أكثر المطالبات بالجنسية لأبنائهن هن من أصول تنتمي لمكونين يشكل تعدادهم أغلبية في المنطقة الغربية تحديدا. ويشكل كل مكون تكتلا بتفاصيل شتى. ولد ذلك التكتل بكل تفاصيله ونتائجه المتمثلة في الإقصاء أو التستر في مجال التجارة والأعمال أحيانا، وفي الحوادث الأمنية أحيانا أخرى، شعورا بالغربة والخوف لدى مكونات أخرى رئيسة في تلك المناطق.

2 ـ التغاضي عن المزايا المتعددة التي تقدمها الدولة لأبناء غير السعوديين من أم سعودية وإمكانية تجنيس المتميزين منهم بحسب قانون تجنيس المتميزين الذي أقرته المملكة مؤخرا.

3 ـ إن المملكة ليست دولة صناعية واقتصادها ريعي، وبالتالي فمن الخطأ بمكان مقارنتها بأي دول متقدمة أخرى، علاوة على أنه توجد دول آسيوية متقدمة ولا تختلف أنظمتها عن المملكة، كاليابان على سبيل المثال لا الحصر.

4 ـ إن مآلات مثل هذا القانون مجهولة خصوصا في المرحلة الحالية وفي ظل ارتفاع أسهم ملف حقوق المرأة.

إن طرح هذا الملف يستلزم حل كل الملفات المتعلقة به اقتصادية كانت أو اجتماعية، فمشكلة تكتلات مجتمعات في بقاع معينة أمر ينظر له بعين الاعتبار في مراحل متقدمة جدا في الدول الرأسمالية التي تمنح حق المواطنة، لأن نتائج تلك التكتلات تشهد عليها اليوم الاضطرابات والحس الشعبوي الناقم في دول كأمريكا وبريطانيا وألمانيا وأستراليا. والتحقق من ملف لوبيات الاحتكار والتستر التجاري أيضا، كلها أمور استراتيجية يتحتم حلها بنظرة واعية، لأن تجاهل المشاكل وعدم وزنها بميزان دقيق هو تهديد لمستقبل الجميع بلا استثناء.

بقي أن أذكر أن دولة القانون هي ليست بالضرورة دولة العدالة، لأن مسطرة القانون هي مسطرة مصالح عليا وليست مسطرة عواطف عشوائية، وأن الوعي ووزن الأمور بحكمة تجنبا للتبعات المستقبلية أمر لا علاقة له بالعنصرية، كما أن الإنسانية لا تتنافى مع إرساء الحلول التي تراعي المحاور الاستراتيجية لاستقرار المجتمع والدولة. الحقيقة المجردة هي ما يتطلبه المشهد والعاقل من اتعظ بغيره.

Rabeahmansoor@