أحمد محمد الألمعي

أيهما أخطر المخدرات أم الأدوية النفسية؟

الاثنين - 27 يوليو 2020

Mon - 27 Jul 2020

‏يتردد كثير من الناس في استعمال الأدوية النفسية الموصوفة لهم من قبل الأطباء، بصرف النظر عن شدة الأعراض وتأثيرها على حياتهم المهنية والأسرية والاجتماعية. ‏وهناك ‏انطباع خاطئ بأن الأدوية النفسية تسبب الإدمان وتغير الشخصية ويجب استعمالها طوال العمر.

ومما يزيد الطين بله ما نسمعه من الآراء من بعض أنصاف المختصين خارج الحقل الطبي، ‏فيقوم البعض منهم بإبداء آراء ‏مثل أن الأدوية النفسية هي فقط مهدئات، وأن الأطباء النفسيين يخدعون مرضاهم ولا يعالجون الاضطرابات النفسية فعليا.

ومما يثير الاستغراب ‏عندما يحضر لرؤيتي في العيادة ‏شاب مع أسرته للعلاج من اضطراب نفسي ‏وبمجرد أن ‏أقترح نوعا من العلاج الدوائي ولنقل مثلا ‏نوعا من الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق‏، وهي أدوية في غالبيتها لا تسبب الإدمان وليست حتى مصنفة كنوع من المخدرات؛ أفاجأ بردة فعل قوية من الأهل بأنهم يعارضون وصف أي نوع من الأدوية للعلاج رغم وجود أعراض الاكتئاب أو القلق الشديدة التي يعالجها الدواء.

المفاجأة الكبرى هنا اكتشاف أن هذا ‏الشاب قد تعاطى كل ما يخطر على البال من أنواع المخدرات والكحول والحبوب المسببة للهلوسة، بحيث يصعب تصديق رفض الأهل ‏مع علمهم أن ابنهم الشاب قد تعاطى هذه المخدرات لسنوات طويلة.

النقاش في بعض الأحيان يكون مجديا حين ‏أبدأ بشرح ‏فوائد العلاج الدوائي وتبسيط فكرة ‏الآثار الجانبية المحتملة، وكون غالبية الأدوية النفسية تسبب أعراضا جانبية بنسبة لا تزيد في الغالب على 2 - 15% وليست 100%، وأن غالبية المرضى يستفيدون من العلاج دون حصول آثار جانبية، ‏وأن غالبية الأدوية النفسية لا تسبب الإدمان ولا تصنف حتى كأدوية مخدرة، وأن نسبة كبيرة من الأمراض النفسية يتم علاجها في فترة شهور وأحيانا أطول قليلا، ولكن هناك بعض الاستثناءات مثل ‏الذهان أو الشيزوفرينيا أو اضطراب المزاج ‏ثنائي القطبين، ‏والتي ‏تسبب أعراضا شديدة يصعب التعايش معها دون علاج وتكون سببا في تدهور حياة المريض وتشكل خطورة عليه وعلى من حوله، وأستخدم كثيرا مرض السكر كمثال للشرح بسبب التشابه بينها.

من أسباب المرض النفسي اختلال في النواقل العصبية في الدماغ مثل الدوبامين والايبينفرين والسيروتونين، ‏وأسباب ذلك بيولوجية جينية ووراثية ‏كما أثبت كثير من الأبحاث العلمية خلال عشرات السنين الماضية، وضعف الشخصية والدين ‏وسوء التربية لا تسبب الأمراض النفسية بشكل عام. وبالمقارنة فإن سبب مرض السكري هو نقص في الأنسولين والمريض يحتاج إلى الأنسولين طوال حياته ليحافظ على ‏المستوى الطبيعي للسكر في الدم لتجنب حدوث المضاعفات، والشيء نفسه ينطبق على كثير من الأمراض النفسية الشديدة مثل الذهان واضطراب المزاج ثنائي القطبين ‏وغيرها، فكثير من الأدوية التي توصف لعلاج هذين الاضطرابين هدفها عمل توازن في هذه الموصلات العصبية في الدماغ والنتيجة هي اختفاء أو تحسن الأعراض بشكل كبير، وأنا أشرح هنا موضوعا معقدا بهدف تبسيط الفكرة لمن هم من خارج الحقل الطبي.

‏في النهاية أختم قولي بما ورد في القرآن والسنة بوجوب التداوي من الأمراض وتوضيح أن هناك العلاج الناجع ‏والفعال لكثير من الأمراض النفسية، وقد تكون هناك آثار جانبية بسيطة، وهو لا يسبب إدمانا، ويكون العلاج سببا في تحسن كبير في حياة الشخص وحياة من حوله، وأقول لكثير ممن يعاني من الأمراض النفسية: ‏ليس هناك داع للاستمرار في المعاناة، فالعلاج متوفر ومجاني في كثير من الأحيان بما توفره حكومتنا الرشيدة من خدمات وعناية صحية عالية المستوى، ولنستمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم «لكل داء دواء فإن أصيب دواء الداء برأ بإذن الله».

AlmaiAhmad@