عبدالله الغامدي

الإدارة على المكشوف

الاحد - 26 يوليو 2020

Sun - 26 Jul 2020

هي أحد المناهج الحديثة في الإدارة، وتقوم فلسفتها على مشاركة العاملين في صنع القرارات وتحقيق الأهداف من خلال المصارحة المطلقة في كل زوايا وخبايا وخفايا وقضايا العمل. وهذا يعني كشف الستار والمستور عن كل ما يمكن أن يعرقل العملية الإدارية بالمنظمة لتكون الرؤية والرسالة والأهداف للقائد والمرؤوسين واضحة جلية، وليعرف كل منهم ما الذي ينبغي عليه فعله تحقيقا لتلك الأهداف، وعلى كلا الطرفين فيما بعد تحمل كل نتائج تلك المكاشفة وتبعاتها، ولتكون المحاسبة بعد ذلك مرضية للمرؤوس قبل الرئيس، ولتأتي القرارات فيما بعد صائبة رشيدة.

لقد ظهر هذا النمط الإداري على أرض الواقع حينما زادت التحديات الإدارية على المؤسسات واشتدت المنافسات التجارية على الشركات، خاصة في ظل العولمة والثورة المعلوماتية، حيث لوحظ وجود فجوة في العلاقة بين الرئيس والمرؤوس فنشأت إثر ذلك أزمة ثقة بينهما من خلال ضعف مستوى الاتصال الإداري وحجب المعلومات المختلفة عن العاملين، وقد عانت من تلك الأزمة كثير من المنظمات الإدارية العالمية على اختلافها، وإثر ذلك ظهر من يطالب بالشفافية والوضوح في الإدارة لقناعتهم بأنها ستذيب كل المعوقات الإدارية التي تواجهها تلك المنظمات، ومن هنا بدأت ولادة ونشأة مصطلح «الإدارة على المكشوف» وأول من أطلقه هو المفكر الأمريكي «جاك ستاك» في كتابه (اللعبة الكبرى لإدارة الأعمال) عام 1992.

وتعد مصارحة العاملين بالإنجازات والإخفاقات أكثر أهمية وأفضل جدوى من السرية وإخفاء المعلومات عنهم، وهي مسؤولية تقع على عاتق الإدارات العليا التي متى ما استوعبت أبعاد هذا المنهج استطاعت بدورها أن تخاطب بكل ثقة بقية المستويات الإدارية، الوسطى والدنيا «التنفيذية» ليتحقق نوع من التكامل والتواصل بين إدارات وأقسام المنظمة، فيصبح الهدف واحدا ولغة التفاهم والتناغم بينهم مشتركة، لذلك يطلق على هذا المنهج (الإدارة بالرؤية المشتركة).

إن وجود رؤية مشتركه بين الرئيس والمرؤوس في ظل هذا المبدأ يخلق نوعا من الانسجام داخل بيئة العمل ويقرب من وجهات النظر المختلفة ويحرر القائمين بالأعمال من عقدة المواجهة والخوف من الوقوع في الخطأ أو الفشل، فيتحول شعور وتفكير الموظف من عامل يتقاضى راتبا شهريا إلى شريك في الإنجازات وتحقيق الأهداف.

إن أسلوب الإدارة على المكشوف يساعد على تنمية أسلوب الرقابة الذاتية في العمل ويقلل من الإشراف المباشر على العاملين ويجعل المرؤوس يستشعر دائما بأن المسؤول قريب منه ومكتبه مفتوح له في أي وقت، وفي المقابل فإن هذا الأسلوب يسهل على القائد التعرف على مرؤوسيه ومستوى أدائهم وقدراتهم ومهاراتهم بشكل مباشر، وهو بالتأكيد شعور إيجابي وحافز معنوي يزيد من درجتي الولاء والانتماء لدى العاملين، ولا سيما الأكفاء منهم، ويحقق مزيدا من الرضا الوظيفي بينهم، وتأثير ذلك على ارتفاع مستوى الالتزام والانضباط والجودة في الأداء والإنتاجية، لذا فإن أسلوب «الإدارة على المكشوف» هو أحد المناهج التي تعمل على توليد الأفكار وإخراج الطاقات الإبداعية الكامنة لدى العاملين.

إن مبدأ المصارحة والمكاشفة التي يتبناها هذا المنهج ليس من السهل الإقدام عليه ما لم تتوفر بيئة صالحة لتطبيقه بعيدا عن شبح البيروقراطية والأوتوقراطية، وذلك من خلال وجود قيادة إدارية ديموقراطية شجاعة واعية بخطواته، ولديها القناعة الكاملة بأهميته والقدرة على مواجهة نتائجه واتخاذ القرارات الحازمة والرشيدة التي تؤدي للاستمرار في نجاحه، قيادة تتحلى بمهارتي الإنصات وفن التوجيه، في ظل وجود كوادر بشرية عاملة، لديها الدراية الكافية والوعي التام بتنفيذه من تلقاء ذواتهم دون تردد.

ويشعر المرؤوسون في ظل هذا النمط من الإدارة بأن قائدهم رفع لواء الأمانة والإنصاف والإخلاص في العمل، فلا تؤكل لديه الحقوق ولا تُرد عنده المظالم، ويعطي كل ذي حق حقه، ولا يخاف في الله لومة لائم. لذلك نجد أن من يتخذ هذا الأسلوب منهجا في إدارته فإنه بلا شك سيضع الموظف المناسب في المكان المناسب وسيتلاشى الفساد الإداري والمالي في منظمته. فاللجوء إليه لم يكن ترفا إداريا بل أصبح ضرورة يفرضها واقع المنظمات التي تبحث عن الصدارة والتميز.

ومما ينبغي التنويه إليه أن كل القادة على اختلافهم ليسوا على درجة واحدة من الشجاعة والقناعة والمبادرة في تطبيق هذا النمط الإداري في منظماتهم، لأن تطبيق مبدأ المصارحة سيكشف القائد أمام مرؤوسيه وسيجعلهم يتعرفون على مستوى عقليته وخبرته الإدارية وصفاته الشخصية وقدراته العملية ومهاراته السلوكية ومواطن القوة والضعف لديه. فمن لم يكن على وعي واستعداد لذلك من القادة فلا يغامر، وليترك تطبيق هذا المنهج لغيره.