برجس حمود البرجس

لماذا رفعت ضريبة القيمة المضافة؟

الاحد - 19 يوليو 2020

Sun - 19 Jul 2020

حل فيروس كورونا ضيفا مرعبا وقاتلا وشالا للحركة الاقتصادية، فحسب توقعات من تقارير لصندوق النقد الدولي فإن الخسائر بسبب هذه الجائحة ستصل إلى 12 تريليون دولار عالميا وستتسبب في خسائر لعشرات الملايين من الوظائف، وتأثر الاقتصاد والأعمال والوظائف تسبب في ضعف الطلب على النفط وأثر على الدول المصدّرة للنفط بشكل مباشر، إضافة إلى معاناتها بكل ما ذكر.

تعامل الدول مع الجائحة مختلف، فهناك دول آثرت الضرر على الوظائف مع إبقائها على إيراداتها من الضرائب أو ربما خفضها قليلا، وهذا نتج عن إغلاق منشآت كثيرة وخسائر لوظائف كثيرة، فمثلا خلال فترة الجائحة خسر 43 مليون موظف وظائفهم في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه الدول لها تركيبة اقتصادية مختلفة من أهمها أن أكثر من 90% من إيراداتها للميزانيات هي أصلا وعلى مدى سنوات طويلة تأتي من الضرائب، فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية التي تصل إيراداتها السنوية إلى 3.5 تريليونات دولار، منها 3 تريليونات دولار ضرائب على الرواتب والأفراد، غير أن بقية الإيرادات معظمها من ضرائب أخرى ورسوم جمارك، ولذلك عمدت الولايات المتحدة إلى إصدار سندات واقتراض وطباعة نقود من البنك المركزي الأمريكي لتعويض المصاريف ودعم الاقتصاد، مما نتج عنه حتى الآن خسائر لـ 43 مليون وظيفة كما ذكرنا أعلاه.

تأثرت المملكة العربية السعودية خلال هذا العام، فالسبب الرئيس في انخفاض ميزانيتها ليس انخفاض أسعار النفط بين 33% و40% فحسب، بل إضافة إلى ذلك أن كميات الإنتاج انخفضت 25% وكميات الصادرات النفطية انخفضت تقريبا 35% مقارنة بالعام الماضي 2019، هذا يعني أن الإيرادات من النفط انخفضت بنسبة ربما تفوق 50%. وكما يعلم الجميع بأن إيرادات المملكة تعتمد بشكل رئيس على النفط الذي شكل في 2019 نحو 42% من اقتصادها و77% من صادراتها و64% من إيرادات الحكومة.

إضافة لانخفاض الإيرادات من النفط أنفقت المملكة بسبب آثار الجائحة أكثر من 200 مليار ريال على دعم القطاع الخاص لحماية الشركات والوظائف بشكل مباشر، وأنفقت الكثير على ميزانيات الصحة والعلاج، وفي المقابل رفعت من ضريبة القيمة المضافة بمقدار 10%، وخفضت من بعض عقود التشغيل والصيانة للمرافق، وأجلت أيضا بعض مشاريعها الرأسمالية.

كان أمام المملكة خيارات عدة للتعامل مع إدارة هذه الأزمة المالية، ولكن كان من أولوياتها المحافظة على دفع الرواتب والبدلات الأساسية للوظائف الحكومية ودعم عدة برامج للمساهمة المباشرة في إبقاء وظائف القطاع الخاص.

بكل تأكيد أي قرارات ستكون مؤلمة ولكن بعضها أقل ألما من خيارات أخرى، ولم يكن لأي دولة في العالم أن تخرج من هذه الأزمة دون تأثر الحكومات والشركات والأفراد أيضا.

أحد أهم الاعتبارات التي نظرت لها المملكة هو الحد من توقعات تداعيات ضعف النمو والانكماش، والذي بالإمكان أن يكون طويلا وعنيفا، فالتحدي لا يكون بـ «المحافظة على الاستهلاك» بقدر ما يتصل بشكل مباشر في كيفية المحافظة على مالية الدولة وتوفر النقد واستقرار العملة، وضمان عدم تأثر دخل الموظفين وعدم تعطل أو تضرر برامج التنمية الذي قد يتسبب في انعكاسات وارتدادات سلبية.

الخيار في عدم المساس برواتب الموظفين وبرامج التنمية سوف يسهم في تقوية مالية الدولة في الفترة المتوسطة، ويمكّن الدولة بعد ذلك من الانطلاق بشكل أقوى وتقليل أضرار ضريبة القيمة المضافة قدر الإمكان.

الإصلاحات التي قامت بها المملكة خلال السنوات القليلة الماضية خففت من تداعيات وتأثير الأزمة على ميزانية الدولة وعلى الأعمال والرواتب، فقد اتخذت الدولة خلال السنوات القليلة الماضية العديد من الإصلاحات في ظل رؤية 2030 التي يبرز من أهدافها تنويع الاقتصاد لكيلا تكون الدولة مرهونة لتقلبات أسعار النفط، وقد نجحت في ذلك فعليا بالنظر إلى مقارنة الصادرات النفطية عام 2005 بما أصبحت عليه في 2019، حيث تراجعت من 89% إلى 77%، تقابلها زيادة في الصادرات غير النفطية خلال الفترة نفسها.

ورغم أهمية هذا التقدم لكنه تأثر فعليا بتغير الأسعار والكميات التي تؤثر على قيمة الصادرات، لكن هذا لا يلغي أن المملكة استطاعت بناء اقتصاد يسعى لتقليل الاعتماد على النفط، بدليل تراجع نسبة مساهمته في الاقتصاد من 57% في 2005 إلى 42% في 2019، وبعد أن كان يشكل 90% من إيرادات الدولة، تشير التقديرات المحدثة إلى تراجع النسبة إلى 60%.

المملكة بدأت بذلك خفض الاعتماد على مصادر الدخل من النفط تدريجيا، وعند اكتمال المشاريع خلال السنوات القليلة المقبلة سيكون اعتمادها أكثر على مصادر الدخل غير النفطية وأقل عرضة للتقلبات الاقتصادية في مثل هذه الأزمات.

بلا شك الجميع يتمنى الحلول الأمثل والأقل تأثيرا في مثل هذه الأزمات، وعند استعراض الخيارات، يظهر أن المملكة استبعدت خيارات صعبة، منها خفض الرواتب والبدلات الرئيسية، واكتفت برفع ضريبة القيمة المضافة وخفض مصاريف المشاريع والميزانيات.

Barjasbh@