هل يشوه الحرس الثوري سمعة إيران السيئة؟

المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: جدل واسع خلف الكواليس في المشهد السياسي بطهران
المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: جدل واسع خلف الكواليس في المشهد السياسي بطهران

الخميس - 16 يوليو 2020

Thu - 16 Jul 2020

 تجربة صاروخية إيرانية (مكة)
تجربة صاروخية إيرانية (مكة)
يشتد الصراع داخل المشهد السياسي في طهران، وفيما يرى البعض أن الحرس الثوري صنع تاريخ «إيران الثورية» بأسنة السلاح ولهب الصواريخ، والرؤوس النووية المدمرة، التي تدفع الآخرين للتفكير قبل الهجوم على نظامها الإرهابي، يرى آخرون أن الحرس استطاع في الفترة الأخيرة تشويه سمعة إيران التي ازدادت مع الأيام سوءا.

ويكشف تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، عن جدل واسع يدور خلف الكواليس في إيران، بين الهيمنة التي يفرضها الحرس الثوري على صناعة القرار، وبين المحدثين الذين يسعون لإقامة علاقات دبلوماسية مع مختلف دول العالم، وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وجيرانها العرب، وإنهاء حالة العزلة التي تعيشها، والتوترات التي صنعها النظام على مدار 4 عقود من الزمن، كانت خلالها الغلبة للمتشددين.

يخدع النظام الإيراني شعبه، يصور لهم أمريكا على أنها «الشيطان الأكبر»، ويقدم نفسه على أنه يسعى لحمايتهم من بطش الولايات المتحدة الأمريكية، ويوهم السكان الشيعة أنه يمنع عنهم خطر العرب السنة، ينشر الخرافات ويلعب بعقول الناس.

تهديدات مستمرة

واجه النظام الإيراني عقبات عديدة في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة، بما في ذلك الحرب العراقية ضد صدام حسين، والتهديدات المستمرة بهجمات عسكرية أمريكية من قواعد استضافها جيرانها العرب، وهجمات داعش.



وشاهد الإيرانيون أن الشرق الأوسط أصبح أكثر اضطرابا من أي وقت مضى، بينما كافحت العراق وأفغانستان المجاورتان لتحقيق الاستقرار منذ التدخلات العسكرية الأمريكية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

بات لدى طهران برنامج صاروخي واسع النطاق، يبرره قادتها كإجراء دفاعي بعد تجربة الحرب العراقية الإيرانية، ونشرت إيران ما يسمى بخط «الدفاع الأمامي» لنقل القتال إلى أعداء خارج حدود إيران، وهو ما يفسر تورط الحرس الثوري الإيراني في صراعات في اليمن والعراق ولبنان وسوريا.

صراعات سياسية

تبرر حملة «الضغط القصوى: الأمريكية، والتوترات المستمرة في المنطقة، إجماع المعسكرات السياسية الإيرانية على أن هناك حاجة لجبهة موحدة للحد من التهديدات الخارجية، في حين تختلف التفضيلات والتكتيكات، حيث انجرفت جميع المخيمات نحو أجندة استراتيجية مماثلة لتقليل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، واحتواء التهديدات التي تشكلها الجماعات السنية، وردع الهجمات الأمريكية، ومنع تشكيل جبهة موحدة مناهضة لإيران في العالم العربي، ولتحقيق هذه الأهداف، يميل المحدثون إلى الدبلوماسية وإبرام الصفقات، في حين يفضل المتشددون الوسائل العسكرية.

صدام مع الجيران

في السنوات الأخيرة، ركز المحدثون في إيران على تطوير هذه الأهداف الأساسية من خلال التواصل الدبلوماسي مع العراق وأعضاء مجلس التعاون الخليجي، ولكنهم فشلوا في الوصول إلى أرضية مشتركة، لم يتمكنوا من إثبات أن الدبلوماسية يمكن أن تحل مشاكل إيران مع جيرانها العرب.

قبل أن يصبح دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، جادل المحدثون بالمثل بأن أفضل طريقة لتجنب المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة هي التوصل إلى تفاهم سياسي مع واشنطن بشأن المسائل النووية.



ومع ذلك، أظهر تطور سياسة البيت الأبيض تجاه إيران أن خطة العمل الشاملة المشتركة لم تمحي ظل الحرب، وفي العام الماضي، زادت الهجمات العسكرية ضد القوات الإيرانية، حيث استهدفت إسرائيل مواقع الحرس الثوري في سوريا، ووجهت الولايات المتحدة ضربة كبيرة لإيران باغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني.

تورط الحرس الثوري

يرى الحرس الثوري المهيمن على مقاليد الأمور في طهران، أن استخدام القوة الصارمة سيحقق أهدافهم الإقليمية، يجادلون بأن الهجمات المباشرة والمحسوبة على أعداء إيران ستردع صراعا أكبر.

يرفع شعار التهديد والدمار، ويحذر أنه «إذا ارتكبت أي دولة عربية في المنطقة خطأ وأطلقت عدوانا علينا، سيترك صواريخ تضرب قواعدها العسكرية»، تواكبت هذه اللهجة مع اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية لإيران بتنفيذ هجمات مباشرة على ناقلات النفط ومنشأة أرامكو السعودية في 2019، وذكرت الأمم المتحدة بعد تحقيق مطول أن الأسلحة المستخدمة في تنفيذ هجوم أرامكو كانت من «أصل إيراني».. مما يؤكد تورط الحرس الثوري.

دعم الميليشيات

لم يتوقف الشر الإيراني، أقام فيلق القدس التابع للحرس الثوري علاقات وثيقة مع الميليشيات المسلحة المنتشرة في دول الجوار، لشن حرب غير متكافئة ضد أعداء إيران، وأتقن الحرس الثوري فن الدخول إلى مناطق الصراع مثل لبنان والعراق وسوريا واليمن لتعبئة الجماعات المحلية هناك، أمعن في توفير ذلك ليشعل التوتر بالقرب من الحدود ويقيم حروبا بالوكالة تزيد من الدمار في المنطقة.



ومنذ عام 2014، عندما بدأ تنظيم داعش تقدمه في العراق، أصبح فيلق القدس أكثر انفتاحا بشأن علاقاتها مع الميليشيات، وبعد هجوم إيران على القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد، قدم قائد كبير في الحرس الثوري إحاطة إعلامية مع أعلام ميليشيات عدة خلفه، مشيرا إلى أن قرار الهجوم «اتخذ بعد توافق كامل تم التوصل إليه بين مسؤولينا وجماعات المقاومة».

وخلال الفيضانات الكبرى في 2019، وفي الآونة الأخيرة مع انتشار فيروس كورونا المستجد، قدمت المنافذ الإعلامية المرتبطة بالحرس الثوري تغطية واسعة للجهود التي تبذلها مجموعات الميليشيات مثل لواء فاطميون والحشد الشعبي العراقي.

تشويه سمعة إيران

يعبر بعض المحدثين بشكل خاص عن إحباطهم من دعم الحرس الثوري الإيراني لشبكات الميليشيات التي يعتقدون أنها تثقل كاهل إيران بالتكاليف المالية وتشوه سمعتها التي تزداد سوءا مع الوقت، لكن هناك القليل من الدلائل على أنهم يدفعون بقوة نحو هذه القضية.

في الواقع، تعمل وزارة الخارجية الإيرانية أيضا مع حزب الله، وقوات الحشد الشعبي في العراق، ورتبت لقاءات مع الحوثيين، فيما يرى المحدثون أنه ينبغي تحويل حرب إيران غير المتكافئة مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى تنمية داخل البلاد.

يرون أن بلدهم يستنزف موارده، وأن الأوضاع تزداد سوءا، وظهر ذلك مع إسقاط الطائرة الأوكرانية ووفاة 19 ضابطا بحريا مؤخرا خلال المناورات العسكرية، ومع ذلك، فإن المتشددين أكثر ارتياحا للنزاع المفتوح. وكما علق أحد المنافذ الإعلامية التابعة للحرس الثوري الإيراني، فإن الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على القوات الأمريكية في العراق «قام بتطعيم الجمهورية الإيرانية ضد أي عدوان عسكري أجنبي».

الصواريخ الباليستية

برنامج الصواريخ الإيرانية قضية أساسية، وهي من وجهة نظر الإيرانيين سلاح الردع، في ظل ضعف الأسلحة التقليدية، وتخلف القوات الجوية عن نظيرتها في المنطقة، الأمر الذي يدفع معظم النخبة الحاكمة إلى اعتبار الصواريخ عنصرا أدنى من عناصر الدفاع الوطني.

وأشار المسؤولون الإيرانيون مرارا وتكرارا إلى أن المدى الحالي للصواريخ الإيرانية يبلغ 2000 كلم، ووفقا لمسؤولين غربيين، تمتلك إيران أحد أكثر أنظمة الصواريخ تطورا في الشرق الأوسط.

ويبدو وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مدافعا قويا للحفاظ على البرنامج، وخلال فترة حكم روحاني، نفذت إيران هجمات صاروخية ضد داعش في سوريا، والانفصاليين الأكراد في العراق، وطائرة عسكرية أمريكية بدون طيار، وقاعدة عين الأسد.

واتهم خصوم إيران طهران بنقل تكنولوجيا ومعدات الصواريخ إلى حزب الله في لبنان وإلى الجهات الفاعلة في العراق، في حين أفادت التقارير بأن الأمم المتحدة وجدت أن الصواريخ التي أطلقها الحوثيون ضد السعودية في عام 2017 تشترك في ميزات التصميم مع تلك المصنوعة في إيران.

موقف خامنئي

وأثناء المحادثات النووية في عام 2015 وبعدها بقليل، تصاعد الجدل بين مختلف مراكز القوة الإيرانية حول تطوير برنامج الصواريخ وتفاعلها مع المسار الدبلوماسي، وفي 2014، أثار روحاني جدلا مع المحافظين والأمريكيين عندما قال إن قوة إيران لم تأت فقط من «مدى صواريخها وأسلحتها العسكرية»، مشيرا إلى أن الجهود الاقتصادية للبلاد لها نفس الأهمية.

وبعد فترة وجيزة من إبرام الاتفاق النووي، أثار رفسنجاني صخبا كبيرا عندما غرد بأن «العالم المستقبلي هو عالم الخطاب، وليس الصواريخ»، وفي تحد لتعليق رفسنجاني، أعلنت إحدى وسائل الإعلام المقربة من مكتب المرشد الأعلى أن «العالم المستقبلي هو في الواقع عالم أكثر صراحة وانفتاحا في المواجهات بين الخير والشر».

بات واضحا أن المرشد الإيراني علي خامنئي لديه موقف واضح من القضية، لقد رسم علاقة مباشرة بين الصواريخ والأمن، وأشاد بالصواريخ الإيرانية كمصدر للقوة، استمرار دقتها ونطاقها. كما دعا أيضا إلى تحديثها، واستبعد مرارا إجراء مفاوضات حول قضايا الصواريخ، محذرا في نوفمبر 2019 من أنه إذا دخلت إيران في مثل هذه المحادثات، فإن الولايات المتحدة كانت ستسعى أولا إلى تقييد نطاق برنامج الصواريخ ثم أوقفته تماما.

تفاخر روحاني

ويرى التقرير أن موقف «الضغط الأقصى» للولايات المتحدة والتصعيد العسكري المتزايد في المنطقة، جعل خامنئي أكثر اعتمادا على الصواريخ، وفي العام الماضي، تفاخر روحاني علانية بإسقاط طائرة أمريكية بدون طيار، مضيفا أن الصواريخ التي استخدمت في الهجوم أنتجت من قبل وزارة الدفاع خلال فترة رئاسته.

وبعد مقتل سليماني، عكس مشروع إيراني بارز من المعسكر الإصلاحي أن إيران ليست في حالة مزاجية للتفاوض بشأن صواريخها، محذرا «أنصح الأطراف الأوروبية بعدم دفعنا إلى مثل هذه النقطة سيتعين علينا استئناف العمل على صواريخ بعيدة المدى».

ويتناسب الموقف الإقليمي لإيران وبرنامج الصواريخ مع مفهوم القيادة الإيرانية لتوازن القوى العسكري، وطالما أن دول مجلس التعاون الخليجي ما زالت المشتري الرئيسي للأسلحة المتطورة والتكنولوجيا العسكرية، وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري نشط على حدود إيران، فسيكون من الصعب للغاية بالنسبة للغرب الحصول على تنازلات كبيرة من إيران على الجبهة الإقليمية وبرنامج صواريخها.

تسوية إقليمية

في المقابل، هناك في الولايات المتحدة الأمريكية من يرى أن إيران يمكن أن تلعب دورا مفيدا في محادثات السلام اليمنية من خلال نفوذها على الحوثيين. قد تكون على استعداد لاتخاذ بعض الخطوات لكبح جماح أنشطتها الإقليمية والشركات التابعة لها إذا كان ذلك مرتبطا بانسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان المجاورتين، ومن سوريا.

وكما عطل محدثو إيران عرض الدبلوماسية رفيعة المستوى مع جيرانهم العرب في عدة مناسبات، وهو ما كانوا سيفعلونه فقط بدعم خامنئي، وبينما تبنى الأمريكان نهجا عسكريا تجاه المنطقة، هناك سابقة لقبول التسوية الإقليمية التي وافق عليها المرشد الأعلى، ويمكن أن تؤدي بداية العملية الدبلوماسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، على المدى الطويل، إلى إطار يوفر ضمانات أمنية لجميع اللاعبين في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران.

الأكثر قراءة