عبدالله قاسم العنزي

التغيب عن المنزل بين التجريم والإباحة

الأربعاء - 15 يوليو 2020

Wed - 15 Jul 2020

بالتأكيد أن كل فرد حر في تصرفاته ولا حواجز عليها إلا أحكام النظام. ومصطلح التغيب من المصطلحات التي درجت على ألسن العامة، وأصبحت تستخدم في محاضر الضبط الجنائي كبلاغات أو دعاوى ترفع من أولياء أمور فتيات يهربن من أسرهن!

ظاهرة تغيب النساء طفت على سطح الأحداث في المجتمع، وهي ظاهرة خطيرة لها تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، والتغيب عن منزل الأسرة من قبل المرأة من الظواهر المستجدة والدخيلة على مجتمعنا، ولها أسباب عدة لا أستطيع البسط فيها، منها الاعتراف المنقوص بحق المرأة بصرف النظر عن مرحلة عمرها داخل الأسرة أو صفتها، أو الصراعات التي تدور رحاها داخل المنزل إلى غيرها من الظروف، أو قد تكون الفتاة تترك البيت لتغرد خارج السرب بعيدا عن المنطق والعقل لرغبتها في أن تعيش حياة حرة من قيود العرف والرقابة الأسرية، ومن أسبابها الاستجابة إلى الانفتاح الثقافي ووسائل التواصل الاجتماعي التي تنادي بمثل هذا السلوك!

على سبيل المثال ظهر هاشتاق في الأيام الماضية موضوعة «#القضاء_يسقط_التغيب»، وهذا غير صحيح على إطلاقه، فالمحكمة تبني حكمها على أسباب موضوعية وجوهرية، ولها أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤديا شرعا وعقلا إلى النتيجة التي انتهت إليها في حكمها، وعلى ذلك تختلف وقائع التغييب عن البيت بالنسبة للنساء من حيث المرأة العاقلة الرشيدة التي بلغت من العمر ما بلغت، وتريد أن تستقل في سكن خاص بها مع علم ذويها بها، وتستطيع أن تقوم بكل أعباء الحياة لوحدها دونما حاجة مساعدة مستمرة، أقول تختلف عن واقعة أخرى لفتاة لا تزال في مرحلة المراهقة قصدها الهروب من قيود الأسرة ورقابتها، وهذا يعد تمردا على والديها وعقوقا يعاقب عليه قضاء.

فالصورتان السابقتان مختلفتان تماما من حيث الظروف والملابسات، والقضاء يحكم بعدم تجريم الأولى، بينما يحاسب الثانية بالعقوبة التعزيرية التي تكفل ردعها وردع أمثالها.

وحتى لا نهون من خطورة الموضوع ومن الآثار السلبية لظاهرة تغيب الفتيات عن المنزل، أذكر مثالا: اتصل علي شخص يستشيرني في قضية تورط أحد أبنائه فيها، وأحداث الواقعة تعود إلى فتاة عمرها 16 سنة تغيبت عن منزل والدها وسكنت مع مجموعة من الشبان في استراحة، وواقعها فحملت هذه الفتاة سفاحا إثر مواقعة مجموعة الشبان لها، إلا أنها اتهمت واحدا منهم بأنها حبلى منه!

القضية برمتها غير مقبولة وجريمة ويجب أن يحاسب جميع أطرافها وأن يردعهم القانون، وبالتأكيد أن مثل هذه الآثار السلبية سوف تكون نتيجة للتصرف المتهور من بعض الفتيات اللاتي يتغيبن عن منازل أسرهن، فقد تبدو فكرة الاستقلال عن الأهل مبهرة للوهلة الأولى بالنسبة لهن، لكنها في الواقع شديدة الخطورة، فكيف يمكن لشخص لا يستطيع مواجهة مشاكله مع أهله أن يواجه الحياة بمفرده ويتحمل مسؤولية نفسه ويواجه الاعتداءات التي يتعرض لها؟!

على أية حال التغيب في حد ذاته لا يعد جريمة، لكنه غالبا ما يؤدي إليها إذا اقترن بأحد أفعالها كالقتل أو السرقة أو الزنا أو غيرها من أفعال الجريمة، وكل واقعة تختلف ظروفها وملابساتها عن الأخرى، وهي تخضع إلى تقدير القضاء من حيث التجريم والإباحة.

@expert_55