طارق فريد زيدان

ماذا يريد الدكتور زيد الفضيل أن يقول؟

الاثنين - 13 يوليو 2020

Mon - 13 Jul 2020

أطل علينا الدكتور زيد الفضيل بمقاله الأسبوعي في صحيفة مكة بعنوان «إحياء الثقافة والمثقفين». أكتب اليوم تعقيبا محاولا استنطاق الكاتب المثقف.

بدأ الدكتور بوصف الألم الذي يعتريه جراء قرار إلغاء قناتي «الثقافية» و«الثقافية اليوم». الحقيقة أن الألم الذي يشعر به المثقف زيد يشاركه فيه كثير من مثقفي وطننا الحبيب، في شعور عام يطغى على الساحة الأدبية السعودية.

فتجد منهم من أرخى قلمه أمام العواصف التي تلف الساحة الثقافية، وآخرين استبدلوا قلمهم ومنصات التفاعل التقليدية (التلفاز والإذاعة) بوسائل التواصل الاجتماعي، بينما الشعور بالألم ظل يكبر وينمو.

هذا الشعور ليس جديدا أو وليد اللحظة، فقد عبر عنه أعظم المثقفين منذ القدم، من أرسطو مرورا بابن خلدون وصولا إلى الأستاذ عباس محمود العقاد، الذي استشهد به الدكتور في مقاله.

هذا الألم هو شعور أصيل عند المثقفين، وليس هناك من ألم أشد مضاضة على المثقف من المساحة الشاسعة في الوعي بينه وبين الناس، حتى يكاد أن يكون هذا الشعور علة وجود الإنسان المثقف، فمن دون القلق والفضول والحوار والتفكير لا شيء يحرك المثقف. المثقف إنسان يعيش المجتمع وقضاياه، ويملك القدرة على التعبير كتابيا وخطابيا.

هو إنسان يبحث عن وسيلة لقطع المسافة بينه وبين الناس.

معاناة المثقف هذه مهمة، والشعور بالعيش في الهامش من دون أدوات حقيقية للتواصل مع الناس هو التحدي الذي يصنع المثقف البطل، الذي يستطيع كسر الحاجز بين العامة والخاصة وإيصال الفكرة يستحق لقب البطولة.

هو الإنسان الذي يتقي شر الغرور المعرفي، ولا ينساق إلى مصيدة الإحباط، حتى وإن أُقفلت كل الأبواب المعرفية في وجهه، فالمثقف لا يستأذن للدخول، لأن كل مهنة تبحث عن الاستئذان للممارسة إلا الثقافة.

العسكري مثلا يحتاج إلى أوامر، والمحامي إلى أحكام، والسياسي إلى معلومات، والاقتصادي إلى بيانات، والمهندس إلى خرائط، أما المثقف فإنه يحتاج إلى ذاته فقط. ما أريد قوله إن هذا الشعور بالألم مهم جدا في الفضاء الثقافي.

فيما خص الجمهور واهتماماته، لا بد من وقفة أمام ما يعرضه الدكتور زيد. نعم أنا أستفسر عن نية الدكتور: هل يبحث عن العقاد فينا؟ أم عن شكوكو؟ إنْ كان يبحث عن العقاد فلدينا من المثقفين السعوديين من يكادون يضاهونه، ليس من باب الهياط، حقا لدينا أدباء سعوديون درسوا وحققوا التاريخين العربي والإسلامي بقدر ما فعل العقاد في سلسلة العبقريات.

هناك أيضا مِن المؤثرين السعوديين في وسائل التواصل الاجتماعي مَن بلغوا شأنا في عدد المتابعين يتخطى شهرة شكوكو في وسط ميدان التحرير. بمعنى آخر اهتمامات الجمهور لا علاقة لها بالحالة الثقافية.

يرى الدكتور زيد أن الثقافة والمثقفين لا يحظيان بأي نوع من الاهتمام المادي، لعله تناسى أن أكثر ما يقض مضاجع العالم الأدبي هو المثقف المتمول، لأن الوفرة المادية لدى المثقف تحد من الشعور بالألم والتفاعل مع المجتمع. المثقف في النهاية إنسان يثبت أن الضمير حي يُرزق، علما أنه في قواعد النحو نوعان من الضمائر: ظاهر ومستتر.

المثقف المكتفي ضميره ظاهر. أما المثقف الثري فضميره مستتر تقديره من؟

ثمة أمر آخر أعتقد أن الدكتور خبأه بين السطور، هناك طبقية وعنصرية تمارَسان في العالم الثقافي وكأن المثقفين طبقات، تماما كتلك الطبقية التي نمارسها بأريحية مع عالم الفن، فليس هناك شيء اسمه فن هابط وفن راقٍ، الفن فن وكفى.

وهكذا هي الثقافة، ليس هناك مثقف برجوازي ومثقف عمالي، أو مثقف مهم ومثقف تافه، من أراد أن يكتب رأيه فعلينا احترامه بغض النظر عن خلفيته العلمية أو المناطقية، ما دام في حدود القوانين والأدب. فأهلا وسهلا بكل من يكتب مدفوعا بألمه أو اهتمامه. أساسا الرأي ليس وقفا على المثقفين فحسب.

ثم أثار الدكتور زيد في مقاله شكوى من الثقافة الاستهلاكية، وهي الثقافة المريحة التي تصل إلى المتلقي عن طريق الهاتف الجوال، شرط ألا تتعدى المئتين والأربعين كلمة. على الرغم من أن هذا النوع من الثقافة لا يقدم جديدا، أقول للدكتور زيد: لا تحزن، لعلك تتذكر عميد الأدب العربي طه حسين حين كان يشكو من زميله الأستاذ عباس محمود العقاد، واصفا إياه بأنه لا يفهم ماذا يكتب، ولا يعرف لمن يكتب!

ينتقل الدكتور في مقاله واصفا الساحة الثقافية بأنها تحتاج إلى إدارة، تحديدا بعد التغير الجذري الذي شهدته بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. أعتقد يا دكتور أنني أختلف معك حول كلمة إدارة وليس على وصفك للساحة.

ما تحتاجه الساحة الثقافية في المملكة هو تنظيم أو هيئة ناظمة للقطاع، على غرار الهيئات الناظمة في قطاعات الطاقة والاتصالات، هنا لا بد من برامج تضعها وزارة الثقافة تعتني بالمثقفين، وتخلق الأدوات اللازمة لهم. هم على العموم مواطنون قبل أن يكونوا مثقفين.

الاضطراب في الساحة الثقافية يا دكتور مهم ومُلهِم في آن واحد، مهم لناحية عملية التلاقح الفكري، وملهِم لناحية استفزاز المثقف لطرح القضايا ومعالجتها، وإلا لما خرجت بمقالة عنوانها «إحياء الثقافة والمثقفين».