بندر الزهراني

إشكالية التضخم الإداري في الجامعات!

السبت - 11 يوليو 2020

Sat - 11 Jul 2020

التضخم بمعناه الاقتصادي هو ارتفاع مستمر في الأسعار مقابل ضعف في القوة الشرائية، مما يقود إلى كساد أو ركود في الاقتصاد الوطني، وبطالة على مستوى الأفراد، والتضخم الإداري لا يختلف عنه أثرا ولا شكلا، بل ربما كان أصعب تشخيصا وعلاجا، والسبب في هذا يعود إلى أمرين: الأول يتعلق بأسلوب الإدارة الأكاديمية المكبلة بداء البيروقراطية الغارقة في الرتابة والتفاصيل، والثاني يتعلق بسياسة التعليم الجامعي وتنفيذ استراتيجياته العامة والخاصة، وكلا الأمرين مرتبطان ببعضهما تكاملا وانحدارا.

تقع كثير من الإدارات الأكاديمية في فخ تنفيذ استراتيجيات التعليم الجامعي، إما لعدم كفاءة الإدارة ومناسبتها لما أوكل إليها من مهام، وبالتالي صعوبة فهمها وإدراكها للاستراتيجيات واللوائح والأنظمة المحدِدة لها، وإما لعدم محاكاة الاستراتيجيات نفسها لواقع المؤسسات التعليمية، فتحدث الفجوات والفوارق بين الواقع وبين ما هو مخطط له، ولهذه الأسباب ولغيرها تجري الإدارات بين الفينة والأخرى مراجعات وتقييم للأوضاع، لكنها في الغالب لا تركز على معالجة القصور في الجوانب الإدارية قدر تركيزها على ما يصرف عنها نظر الرقابة والنقد الإعلامي ويجلب لها في المقابل الثناءات والإطراءات.

من صور التضخم الإداري في الجامعات المحلية إشغال الوظائف الإدارية العادية - غير الأكاديمية - بأعضاء هيئة تدريس تحت مسميات مختلفة، إما وكيل أو مشرف أو مستشار أو نحو ذلك، وفي الوقت نفسه يكون تحت إدارته مدير إدارة وموظفين، وربما كان له نائب أو مستشار من زملائه! وهذا استهلاك سلبي للقوة البشرية العاملة، واستنزاف مالي صريح، وليته إذ هو كذلك يكون ذا جدوى وله معنى وقيمة حقيقيان، فعضو هيئة التدريس هذا حينما يُفرّغ لأعمال إدارية من هذا النوع، فوق أنه يتقاضى مكافآت شهرية وبدل اجتماعات ولجان دائمة وغير ذلك، تضطر الجامعة للتعاقد مع أستاذ أجنبي ليقوم بالمهام الأكاديمية، كالتدريس والبحث العلمي، بدلا منه!

وعلى سبيل المثال، يوجد في بعض الجامعات المحلية، خاصة الكبريات منها ولست بحاجة لتسميتها، مئات من أعضاء هيئة التدريس المحليين متفرغين تفرغا تاما أو شبه تام للقيام بأعمال إدارية بحتة، وليست الإدارة من صلب تخصصاتهم العلمية أو صميم اهتماماتهم الأكاديمية!

بل إن الجامعة في حالات، لا أقول استثنائية بل ترفيّة، تتعاقد مع بعض المتقاعدين للقيام بأعمال إدارية، أيُّ فكر هذا! بل قل أي كفر بالنعمة هذا الذي يفعلون! تخيّلوا حجم الخسائر المالية التي ربما تتكبدها الدولة جراء تضخم الإدارات الأكاديمية في هذه الجامعة أو تلك!

ومن صور التضخم الإداري الناشئ عن تباين التخطيط والتنفيذ أن نجد عدد الأساتذة في بعض التخصصات العلمية في جامعاتنا أكثر من عدد الطلاب! وهذه ثالثة الأثافي كما يقال! لا أظن أن حالة كهذه تحدث في الجامعات العالمية، إطلاقا، و ما هذا التضخم - في ظني - إلا بسبب ضعف التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، أو بسبب الطموحات الكبيرة المختلطة بشوائب المصالح الشخصية الضيقة لدى بعض الإدارات الجامعية، وفي الأمثال الشعبية الصينية يقولون: من يبيع ضميره من أجل طموحه هو كمن يحرق صورته ليحصل على الرماد، المشكلة أنه عند البعض تضيع الخبرة والمكانة العلمية والأمانة الأكاديمية بلا طموح أو حتى رماد!

الجامعات اليوم بأمس الحاجة لإدارات التكنوقراط، لا إدارات الأوتوقراط أو إدارات الظل وتصريف الأعمال، أكثر من حاجتها للدعم المالي الحكومي، وأكثر من حاجتها للبنى التحتية المبهرة، وإني لألمس في التعيينات الجديدة لرؤساء الجامعات التي حدثت قبل أيام شيئا من هذا التوجه لدى معالي الوزير، وهذا هو الطريق الصحيح نحو بناء جامعات عالمية بعيدة كل البعد عن التضخم الإداري البيروقراطي واللااستراتيجي، وهذا هو الطريق الأمثل للسير في اتجاه ترشيد الإنفاق وتعظيم اقتصاد المعرفة المبني على الكفاءة أولا وأخيرا، والداعي للتناغم بشكل صحيح مع متطلبات سوق العمل، وتحقيق آمالنا وتطلعاتنا التعليمية الطموحة والبناءة.

drbmaz@