تغريد الرحيلي

نحو تعليم عن بعد.. آلي في الأداة إنساني في التنفيذ

السبت - 11 يوليو 2020

Sat - 11 Jul 2020

يقول منظر العولمة الأمريكي توماس فريدمان إننا نعيش في عالم متغير ومختلف جدا الآن، فالأفراد أصبحوا متمكنين من الاتصال عالميا عن طريق وصل الجهاز بالكهرباء! والحقيقة أنه لضمان استمرار عملهم يتعين على الأفراد تأكيد القيمة المضافة لوظائفهم (التي لا يمكن للتكنولوجيا بمفردها القيام بها)، وعليهم اختراع وظائفهم وتطويرها كل يوم.

وهذا يقودني لأن أتساءل: ما القيمة المضافة لوظيفة المعلم في سياق التعليم عن بعد؟ ما العائد التعليمي الفارق الذي سيحصل عليه الطالب في قاعات التدريس الافتراضية عما سيحصل عليه من محاضرات خان أكاديمي أو فيديوهات اليوتيوب التعليمي؟

أعظم المعلمين أكثرهم إنسانية! هذه العبارة تمثل جل القيمة المضافة لمهنة المعلم في التعليم عن بعد - وفي التعليم التقليدي أيضا - وهي اللبنة الأولى في بناء نموذج عملي لأنسنة التعليم عن بعد.

فقد يعتقد البعض أن مفهومي «أنسنة التعليم» و»التعليم الالكتروني» ضدان لا يلتقيان، ولكن في الحقيقة أن التكنولوجيا من أنجع الأدوات في أنسنة التعليم بما توفره من مرونة في التواصل ووفرة في خيارات التعلم للطلاب بما يناسب مستوياتهم الأكاديمية واحتياجاتهم الشخصية، والأهم أننا نلتقي مع الطلاب في منطقتهم المفضلة؛ العالم الافتراضي. وقد ورد تعريف أنسنة التعليم في الأدبيات بمعنى التعليم الذي يعتمد على بيداغوجيا التأثير والتعايش مع السياق الاجتماعي للطلاب، بحيث تُعزز ممارسات المعلمين والطلاب والإدارة لإضفاء الطابع الإنساني على التعليم من حيث ثلاثة أسس: العلاقة بين الطالب والمعلم، وربط المحتوى باهتمام الطالب، وتفريد التعليم. فكيف يمكننا تحقيق أنسنة التعليم في سياق التعلم عن بعد؟

العلاقة بين المعلم والطالب

البداية بالحديث عن أول الأسس وأجلها في الأثر، وهو تعزيز العلاقة بين المعلم والطالب - هناك أبحاث خاصة بهذا الأساس على وجه التحديد لأهميته - وجوهره الاتصال الإنساني التفاعلي بين المعلم وطلابه واهتمام المعلم بكل طالب من طلابه. وبالحديث عن سياق التعلم عن بعد لا يمكن أن تكون العلاقة بين المعلم والطالب طبيعية وإيجابية وتفاعلية بدون التواصل المرئي أثناء شرح الدروس وفي القاعة الافتراضية لتحقيق أغراض عدة كمراقبة المعلم لطلابه، وملاحظة استجابتهم ومشاعرهم أثناء الحديث، وتقييم مشاركتهم وأدائهم اللفظي والجسدي، بينما هم يقدمون العروض التقديمية.

وهذا الأمر المتعلق بعرض الوجه في الفصول الافتراضية - للمعلمات والطالبات - يمثل تحديا في تعليم الفتيات بنظام التعليم في المملكة العربية السعودية، مما قد يؤثر سلبا على اندماج الطالبات مع الموقف التعليمي وقدرة المعلمة على إدارة الصف والتأكد من حضور الطالبات فعليا في الفصل الافتراضي.

فلا يمكن أن تكون قاعة الصف الافتراضي بدون عرض شخوص المعلمات والطالبات بيئة تعليمية افتراضية فاعلة، بل إنها أشبه ما تكون باستخدام برنامج إذاعي، حيث تعتمد على الصوت فحسب، ولا يمكن التأكد من وجود الطالبات فعليا أمام الشاشة، فضلا عما أثبتته الأبحاث من أهمية الصورة ولغة الجسد في إيصال وثبات المعلومات لدى الطلاب. ولأهمية هذه الخاصية يتحتم إيجاد طرق بديلة لعرض الوجه في الفصول الافتراضية في تعليم الفتيات بالمملكة العربية السعودية.

وفي هذا الشأن أقترح الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وذلك بتصميم خاصية عرض صورة متحركة ثنائية أو ثلاثية البعد a 3D /2D animated avatar لكل من شخوص المعلمات والطالبات وترصد تعابير الوجه وتربطه بأصواتهن، ولكي تعمل هذه الخاصية يشترط أن تقوم المعلمة أو الطالبة بتشغيل خاصية الفيديو، وأن تكون متواجدة مقابل كاميرا الكمبيوتر.

وهي أداة مشابهة للخاصية الموجودة في رسائل الايفون Animoji ولكن الجديد هو إضافتها للفصول الافتراضية والاتصال المرئي في منصة التعليم عن بعد.

المحتوى واهتمام الطالب

يليه الأساس الثاني، وهو ربط المحتوى باهتمام الطالب، فالتعليم عن بعد يحقق هذا الربط من خلال التعايش مع سياق الطلاب الاجتماعي وخلفياتهم المعرفية التقنية.

فالجيل الحالي جيل تقني بالفطرة native technology generation فنحن حينما نستخدم التعلم عن بعد فإننا نعمل في منطقة الراحة comfort zone للطلاب.

فالطلاب يستشعرون قيمة زر التفضيل في منصة Padlet لتقييم الخرائط الذهنية التي صممها أقرانهم في الصف لمادة الرياضيات، ويبرعون في تسجيل الدبلجة بصوتهم على الفيديوهات ببرنامج Audacity ليطوروا من مهاراتهم بالتحدث باللغة الإنجليزية، ويرحبون بالمشاركة في ساحة الحوار المكتوبة التزامنية واللا تزامنية لمناقشة فنون الشعر العربي الحديث في مادة لغتي، ويتقنون استخدام الرموز المصورة والرسائل الصوتية للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم تجاه موضوع درسوه في مادة الاجتماعيات، وجُل شغفهم تصميم بيئات افتراضية من خلال لعبة ماين كرافت لإيجاد حلول لمشاكل بيئية درسوها في مادة العلوم.

تفريد التعليم

وأما الأساس الثالث تفريد التعليم، فيهدف إلى جعل الطالب كفرد في بؤرة اهتمام المعلم، من خلال مواءمة نقاط قوة كل طالب واحتياجاته ومهاراته واهتماماته، ويعد تدخلا علاجيا يحتاجه بعض الطلاب ويتطلب توفير وقت وأسلوب خاصين لتدريسهم لمساعدتهم على الفهم والتعلم.

وهذا التدخل يصعب تحقيقه في بيئات التعلم العادية وداخل المدرسة بسبب محدودية الوقت.

ولكن من خلال التعلم عن بعد يمكن تحقيق هذا الهدف بكل مرونة وسلاسة باستخدام برامج تعليمية مصممة خصيصا لذلك وتستخدم في التعليم العام في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال برنامج تنمية مهارات القراءة باللغة الإنجليزية (https://www.lexialearning.com) Lexia الذي يمكن الطلاب من تعلم القراءة بالإتقان بشكل مستقل في المنزل لتطوير مهارات القراءة واللغة من خلال مسارات التعلم الفردية والمحفزة، مع وجود خاصية التقويم التكويني لأداء الطلاب، ويقوم البرنامج باستجابات متعددة حسب مستوى تقدم الطلاب.

يعد هذا البرنامج من أمهر البرامج لتفريد التعليم عن بعد لجميع الطلاب باختلاف مستوياتهم وقدراتهم، حيث يعمل كل طالب على الوتيرة الخاصة به، ويراقب المعلم تقدمه من خلال إرسال تقارير على حساب المعلم في البرنامج وعبر البريد الالكتروني، ليقدم بدوره الدعم والتشجيع اللازمين للطالب.

منذ عقود والتربويون يدعون إلى أهمية أنسنة التعليم، واليوم وفي ظل الظروف الحالية والاتجاه بقوة نحو التعلم عن بعد أرى أن أنسنة التعليم أصبحت ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، للربط بين الهدفين الاجتماعي والأكاديمي للتعليم، فيشعر الطالب بإنسانية الموقف التعليمي، وأنه وإن يكن آلي الأداة، إلا أنه إنساني في التنفيذ.

@taghred_r