أحمد عبده السحاري

العمود الذي سقط!

الاحد - 05 يوليو 2020

Sun - 05 Jul 2020

شاب لطيف لديه بعض من مهارات الكتابة، أراد أن يكتب شيئا فأرسل لعدة صحف يريد منها فرصة الانتماء وشغل وقته الضائع والثمين في كتابة ما يدور في خلده من أفكار، فجاء الرد من إحدى الصحف الورقية الهامة بالموافقة، شرط أن يكتب للتجربة ومن ثم القرار النهائي، فاستبشر وفرح وكاد أن يطير من فرط سعادته، ولكنه ما إن هدأ قليلا حتى تعس حاله؛ يا ترى ماذا أكتب وما الموضوع الذي يستحق أن أثبت أقدامي وصورتي في أحد أعمدة الصحيفة من خلاله؟

وقع في حيرة كبيرة من أمره، ولم يجد الملجأ والمدخل الذي يستطيع منه أن يكسب ثقة هؤلاء القوم الذين لا يرحمون في هكذا أمر، خاصة عندما يتعلق الأمر بماهية العمل الصحفي والكاتب الجيد، عندها عدل جلسته، فجاءته أفكار تتطاير في الهواء وهو يستنشق واحدة تلو أخرى، حتى تنفس الصعداء بواحدة من تلك، فوقع اختياره على موضوع يختص به، وهو كيف استطاع أن يصل إلى هذه الصحيفة التي يكتب لها الآن ليكتب أولى مقالاته فيها.

بدأ بعنجهية فضاحة يمتدح موهبته وقلمه ويشيد بأفكاره وآرائه ولم يبق من الغطرسة والكبرياء شيئا يرفع من شأنه على الآخرين إلا وعبر عنه في مقاله، كتب وكأنه لن يكتب مرة أخرى، قدم نفسه للصحيفة وكأنه أستاذ يعلم طلابه أصول الصحافة، أراد أن يرفع من نفسه ولكنه سقط من حيث أوقعه قلمه، ومن تعبه وسعادته داهمه الوقت المتأخر من الليل فذهب لفراشه ونام.

عندما وصل المقال الأول للصحيفة وقرأه المسؤول عن أعمدة المقالات أجازه ووقع على نشره وسقط منه اسم صاحب المقال، ظنا منه أن هذا مقال رئيس التحرير. في اليوم التالي نشر المقال ولاقى رواجا منقطع النظير من الناس، فرأى رئيس التحرير ردود الأفعال على المقال، فاستدعى المسؤول عن النشر ليبارك له حسن اختياره ونظرته الثاقبة.

فاتصل فورا بصاحب المقال ذلك الشاب الذي لم يشتر الصحيفة في ذلك اليوم، لأنه ظن استحالة نشر مقاله، ليخبره بصنيع فعله وأنه كتب المقال الذي سيذهب به بعيدا بين كتاب الصحيفة، وأن هذا المقال سيجعل له موطئ قدم بينهم.

فرح الشاب كثيرا، مستغربا كيف حدث ذلك، وما كان بوسعه إلا أن يقدم شكره للمسؤول وللصحيفة ووعدهم بالأفضل.

وأثناء الاحتفال بالنصر وأنه استطاع أن ينتزع ثقة كبار الإعلاميين وجمع غفير من الشارع، حدثت المفاجأة، سقط الشاب من فراشه ووقع على الأرض ليصحو من حلم أراده حقيقة ولم يكن كذلك، ذهب مسرعا إلى مكتبه ليكمل مقاله ويرسل به فورا إلى الصحيفة وهو في غاية السعادة لما رآه في منامه، وأن الحلم الذي كان سيتحقق على أرض الواقع اليوم.

قرأ المسؤول المقال، فأرسل رسالة مقتضبة للشاب الذي ينتظر الرد بفارغ الصبر والثقة فيما يلي نصها «نعتذر منك يا العقاد على غفلة».

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال