نمر فهيد السبيلة

تحديات علاج فيروس كورونا المستجد (19-COVID)

الثلاثاء - 30 يونيو 2020

Tue - 30 Jun 2020

انتشر وسم #خليك_بالبيت في مواقع التواصل الاجتماعي منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID - 19) في مارس من العام الحالي، بل أصبح من الوسوم التي سوف يكتبها التاريخ، إذ يعد ذلك تهيئة للمجتمع العالمي لتطبيق فعلي هو «الوقاية خير من العلاج»، بل هو أصلا نهج نبوي، حيث أشار إليه حديث أسامة بن زيد عن النبي قال «إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها، فلا تخرجوا منها» متفق عليه. فالغاية من ذلك عدم انتشار هذا الأوبئة، والحرص على عدم مخالطة المصاب وعدم الذهاب إلى الأماكن الموبوءة.

يعد هذا الفيروس من أخطر الفيروسات التي أصابت البشر خلال القرون الماضية، لأن خطورته تكمن في سرعة انتشاره ومدة بقائه في الجو لفترات طويلة، وقد تظهر أو لا تظهر أعراضه على المصاب.

وتعود تسمية هذا الفيروس بـ (كورونا) إلى أنه يحتوي على بروزات تظهر على سطح الفيروس تشبه في شكلها التاج، وقد تم التعرف على هذا الفيروس في الستينات الميلادية الماضية.

ومن أنواع هذا الفيروس: متلازمة كورونا الشرق الأوسط الذي انتشر مؤخرا بواسطة الإبل (MERS CoV)، والنوع الآخر شديد الخطورة يسمى سارس (SARS CoV)، علما أنه لا يتوفر لهذين النوعين لقاح حاليا. ويعمل الفيروس بحمض نووي ريبوزمي (RNA Virus) مما يسهم في تعقيد فهم الآلية داخل الجسم.

تشير التقارير اليومية لوزارة الصحة السعودية إلى أنها سجلت 186 ألف إصابة، وأن حالات الوفيات سجلت نحو 1600 شخص رحمهم الله، وبالمقابل وصلت حالات التعافي ولله الحمد إلى أكثر من 127 ألفا، أما في الوطن العربي فتشير الإحصاءات إلى أن الإصابات وصلت نحو 580 ألف إصابة، ووصلت الوفيات إلى نحو 9 آلاف وفاة، وتجاوزت حالات الشفاء 370 ألف حالة شفاء. وتشير الإحصاءات العالمية إلى أن حالات الإصابة تجاوزت 10 ملايين شخص مصاب، وإجمالي الوفيات تجاوز 500 ألف حالة وفاة، وتجاوزت حالات الشفاء 5 ملايين حالة. وبناء على هذه الإحصاءات يعد فيروس كورونا هو الأكثر في معدل الوفيات مقارنة بأنواعها.

يهاجم فيروس كورونا المستجد الجهاز التنفسي عبر الاستنشاق أو الرذاذ المتطاير من الشخص المصاب، أو استخدامه أدواته، حيث يهاجم الخلايا المبطنة في الحلق والرئة والشعب الهوائية، ومن ثم يبدأ ظهور الأعراض المبدئية كالسعال الجاف والاحتقان، ويبدأ اختلال توازن جهاز المناعة محدثا ارتفاعا في درجة حرارة الجسم لمدة 5 أيام، ومن ثم يحدث ضيق في التنفس لمدة 9 أيام أخرى، مسببا قلة مرونة الحويصلة أو الكيس الهوائي، ما يحتاج معه المصاب إلى التنفس الصناعي.

تعد أعراض الفيروس مشابهة لأعراض الانفلونزا الموسمية تماما، ولكنه يختلف في حدة ضيق التنفس واستمرارية السعال خلال فترة المرض.

وأود أن أشير هنا إلى أن هنالك فرقا بين الالتهاب والانسداد الرئوي (الانسداد الرئوي المزمن)، حيث إن الالتهاب الرئوي لا يسبب إفراز المخاط بكثافة كما يحدث في الانسداد الرئوي، وهذا قد يسهم في حدوث جلطة دموية في الرئة، مما يسبب قلة اندفاع الدم من القلب إلى الرئة، وكذلك يعمل على قلة مرونة الحويصلة، فتؤدي هذه الآلية إلى تلفها بشكل تام خلال فترة المرض الطويلة، وعند هذه المرحلة تصبح الرئة عاجزة عن تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون.

ومما يلاحظ أن المصابين بفيروس كورونا تتفاوت حدة مرضهم بناء على عمر المريض، وما إذا كان المريض يعاني من مرض مزمن أم لا، لأن الشخص المصاب بالأمراض المزمنة كالقلب والأوعية الدموية والكلى قابليتهم عالية للإصابة بالمرض ولا ننسى كذلك المدخن، لذا يجب الحذر!

ومع انتشار الشائعات والأنباء في وسائل الإعلام حول إيجاد لقاح أو علاج لهذا الفيروس، فباعتقادي أنه ليس بالسهولة إيجاد لقاح أو اكتشاف دواء لهذا الفيروس في الوقت الراهن، حيث يتطلب العديد من الإجراءات والمراحل البحثية لاعتماده من الهيئات، ومن ثم إنتاجه، والتي قد تحتاج إلى أكثر من 24 شهرا قادمة، ولكن هل القدرة الاستيعابية لمصانع وشركات الأدوية كافية لسد احتياج العالم؟

للحد من عملية انتشار هذا الفيروس لا تقلق عزيزي القارئ، هناك عدة أساليب وطرق متبعة في المستشفيات لعلاج المصابين، تشمل مضادات الفيروسات ومسكنات الألم وغيرها للتخفيف من حدة أعراضه. فعلى سبيل المثال: دواء يدعى كلور كوين (Chloroquine) وهيدروكسي كلور كوين (Hydroxychloroquine) مع ايزوثروميسين (Azithromycin) (وهو مضاد حيوي معالج جيد لالتهاب البكتيريا)، هذان الدواءان السابق ذكرهما يستخدمان لعلاج الملاريا أو الوقاية منها، وكذلك يعدان مضادا لبعض الأمراض الناجمة عن الالتهابات والفيروسات، حيث استخدما خلال جائحة كورونا، وأثبتت نتائجهما إيجابية وفعالية ضد هذا المرض، بناء على الدراسة التي أقيمت على 20 مريضا مصابا بالفيروس في تخفيف الأعراض مقارنة بـ 16 مريضا كانوا يتلقون العناية العادية.

وفي الدراسة نفسها ظهر الفرق بين نتائج استعمال كلور كوين وهيدروكسي كلور كوين، فقد أثبت الهيدروكسي فعاليته بنسبة 70 % مقارنة بكلور كوين 12.5 %، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار العرض الجانبي الناتج من استخدامهما، حيث يعملان على زيادة مضاعفات أمراض الأوعية الدموية والقلب، لذا من الأفضل عدم استخدامهما لمرضى القلب.

ومن الأدوية أيضا ردسمفير (Remdesivir) وهو دواء مضاد للفيروسات، حيث تم تطويره من قبل العالم وماس سيلارهار.

وفي الواقع استخدم هذا الدواء لعلاج (فيروس إيبولا) الذي انتشر منذ فترة في القارة الأفريقية، وكان له دور فعال للحد من تكاثر الفيروس داخل الجسم، علما أنه كان يعد من الأدوية التي تعتبر تحت التجارب لعلاج فيروس كورونا الشرق الأوسط وسارس، ولكن لم تتم الموافقة عليه للبدء باستعماله. يستخدم ردسمفير حاليا في أمريكا واليابان كإحدى الطرق المتبعة لعلاج فيروس كورونا، وأظهرت نتائجه الإيجابية في علاج كثير من المصابين، ولكن يجب الحذر من ناحية الأعراض الجانبية، حيث يعمل على انخفاض في كريات الدم الحمراء والصفائح الدموية التي لها دور في تخثر الدم.

وسمعنا مؤخرا أن هناك دواء في طور استخدامه وهو دواء أفيجان (Favipiravir) وأثبتت فعاليته لدى مرضى في الصين خلال انتشار الفيروس، ويعد أحد الأدوية المضادة للفيروسات، ولا يعمل على تقليل الحمض النووي الريبوزي الخاص بالفيروس فحسب، بل يساعد على قتله أيضا، وكان يستخدم في السابق لعلاج الأعراض الشديدة للانفلونزا في اليابان.

ولو أردنا مقارنة بين هذين الدوائين (ردسمفير VS أفيجان) أيهما أكثر فعالية لمقاومة فيروس كورونا، فسنجد أن ردسمفير له دور في التدخلات والتفاعلات الدوائية لبعض الأدوية كدواء سيميتيدين (Cimetidine) الذي يقلل من إفراز حموضة المعدة الذي يسبب الحرقان، ودواء لعلاج أمراض القلب مثل املودبين (Amlodipine) وبعض أدوية الاكتئاب، بالإضافة للأعراض الجانبية، بعكس دواء أفيجان الذي لم يثبت له حاليا وجود أي تفاعلات دوائية أو أي عرض جانبي يذكر جراء الاستخدام.

ومن البروتوكولات المتبعة في المستشفيات لعلاج الفيروس أيضا استخدام لوبينافير (Lopinavir) أو ريتونافير (Ritonavir)، حيث إن هذين الدوائين مضادان للفيروسات، ويستعملان معا لعلاج مرض المناعة المكتسب الإيدز (HIV)، إذ إن لهما دورا في تقليل كمية الفيروس المسبب للإيدز، والتي بدورها تدعم جهاز المناعة، بل يعملان أيضا كوقاية للشخص من الإصابة بأي التهابات جديدة أو الإصابة بالسرطان، ولكن كثيرا من الدراسات السريرية في أوروبا أثبتت أنهما غير مناسبين لمصابي فيروس كورونا المستجد حيث كانت النتائج سلبية، لأن معدل القضاء على كمية الفيروس غير مجدية لوقف انتشاره داخل الرئة.

ومن الطرق المستخدمة لعلاج مصابي فيروس كورونا كمكمل للخطة العلاجية مضاد الالتهاب كالكورتيزون (Dexamethasone)، فله فائدة في تقليل الأعراض الناجمة عن الفيروس، خاصة في مرحلة حدة ضيق التنفس، وقد تم استخدامه من قبل الصحة البريطانية منذ أبريل من العام الحالي قبل اعتماده لدينا في وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية.

ومن المكملات الدوائية أيضا المستخدمة الباراسيتمول (Paracetamol) والبيروفين (Ibuprofen) في تخفيف ارتفاع درجة الحرارة، والمؤكد في ذلك أنه لم يظهر أي عرض جانبي لدى مصابي كورونا، مع العلم أن هنالك دراسة أوضحت أن البيروفين يفاقم من أعراض كورونا ويسهم في سرعة ضيق التنفس، وهذا غير صحيح لأن عدد المرضى الذين خضعوا للدراسة غير كاف.

والخبر الجميل هذه الأيام أن هناك كثيرا من المراكز البحثية قد عملت على تطوير دواء يدعى ايفرمكتين (Ivermectin)، وهو ينتمي لمجموعة الأدوية المضادة للطفيليات، حيث يعمل على منع تكاثر الفيروس، وقد ظهرت النتائج الإيجابية لفاعليته من خلال التجارب المخبرية على الحيوانات عند حضانة خلايا الطلائية المعزولة من كلية القرد الأفريقي مع الفيروس، إذ يعمل على تعطيل عمل الحمض النووي الريبوزي الخاص بالفيروس خلال مدة قصيرة قد تصل إلى 24 ساعة، وهو معتمد لدى هيئة الغذاء والدواء الأمريكية كمضاد للطفيليات، وباعتقادي فإنه يحتاج إلى عدد من الدراسات على متطوعين للتأكد من محاصرة تكاثر الفيروس في الجسم، وللتأكد أيضا من قلة العرض الجانبي الذي يسببه.

ومن الحلول المطروحة كلقاح مؤقت لمواجهة هذه الجائحة أيضا استخدام بلازما المتعافي من الفيروس خاصة في الحالات الحرجة عبر تبرع المريض المتعافي بالدم، حيث يتم عزل البلازما لاحتوائها على أجسام مضادة لفيروس كورونا المستجد. خضعت هذه الطريقة لدراسة على 10 مرضى مصابين بالفيروس، وقد أعطيت الجرعة لهم عند اليوم العاشر والثاني عشر، وأظهرت النتائج الإيجابية انتقال المريض من المرحلة الحرجة إلى الاستقرار، وتمت ملاحظة ذلك من اليوم الثاني عشر من إعطاء المصاب الجرعة، ومن ثم تبدأ حالة المريض بالتحسن، ولكن هناك سؤال مهم: كم شخصا متعافيا حاليا باستطاعتهم إمداد المصابين بالبلازما؟

وصلني كثير من الاستفسارات حول أن بعض الأدوية المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم كمثبطات الأنزيم المحول للأنجيوتنسين قد تزيد من أعراض الفيروس، بل تسهم في حدة الأعراض، وهذا غير صحيح لأنه لم تسجل أي حالة أو دراسة تثبت ذلك، وهناك استفسار آخر: هل لقاح السل الذي تم أخذه من قبل الأشخاص سوف يقيهم أو يخفف من أعراض الفيروس؟ من وجهة نظري هذا غير صحيح، إذ يعد اللقاح وقاية فحسب من البكتيريا ويدعى Bacille Calmette-Guérin (BCG).ولكي نتقارب ونحاصر هذه الجائحة بإذن الله يجب التقيد بالإجراءات الاحترازية التالية: لبس الكمامة، التباعد الاجتماعي، غسل اليدين باستمرار، عدم الخروج في الفترة الحالية إلا للضرورة، الحرص على تعقيم الأسطح بالمعقمات التي تحتوي على نسبة 70 % من الميثانول. ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم من هذه الجائحة.

NimerAlsabeelah@