موفق النويصر

التشهير.. عقوبة معطلة

الثلاثاء - 30 يونيو 2020

Tue - 30 Jun 2020

شرعت وزارة الداخلية بالتزامن مع جائحة كورونا في بث رسائل مصورة تحت عنوان «تم القبض»، تعرض فيها حالات لمن ألقي القبض عليهم بسبب مخالفتهم تعليمات حكومية صريحة متعلقة بالحد من انتشار فيروس (كوفيد 19).

وبعدها بفترة ليست بالبعيدة أصبحت تلك الرسائل تشمل أيضا من ألقي القبض عليهم لارتكابهم جرائم جنائية أو أخلاقية.

لحقتها بعد ذلك النيابة العامة بنشر بيانات استدعاء أو التحقيق مع أشخاص ارتكبوا مخالفات أو جرائم ضد أفراد أو المجتمع.

وسبقتهما بأشهر عديدة وزارة التجارة بنشرها عبر مختلف المنصات الاجتماعية بعضا من مداهمات أجهزتها الرقابية لمراكز ومستودعات ومعامل ومصانع مخالفة للنظام، لم يترك أربابها وسيلة للإفساد والتربح بطريقة غير شرعية إلا وقاموا بها.

اللافت أن كم الرسائل والبيانات والضبطيات الصادرة عن هذه الجهات تظهر حجما مخيفا من المخالفات التي ترتكب يوميا بحق الوطن والمواطنين، دون رادع من ضمير أو خوف من عقوبة. وأن هذه البيانات على الرغم من انتشارها على مختلف الوسائط الإعلامية، إلا أنها لم تردع كثيرين عن ارتكاب الأفعال نفسها التي قادت من سبقهم إلى السجن أو الغرامة المالية.. فهل الخلل في نوع العقوبة أم حجمها أم آلية تنفيذها؟

في ظني أن التعامل مع مثلث الجريمة ما زال ناقصا، حيث يوجد جرم صريح، يتبعه ضبط سريع للجناة، مع غياب شبه دائم للضلع الثالث وهو «سرعة العقوبة وغلظتها مع التشهير بالمخالف».

أعلم يقينا أن عقوبة «التشهير» منوطة بالجهات القضائية وبعد صدور الأحكام في صيغتها النهائية، ولكن ما الذي يمنع الجهات الحكومية المختلفة من تغليظ عقوباتها وتطبيقها مباشرة على من يتجاوز أنظمتها؟

الأكيد أن تأخر صدور العقوبة نتيجة طول فترة التقاضي، أو صدورها بصيغة المجهول أو عدم ربطها بشكل مباشر بالجريمة التي حدثت، تجعل من أثرها على باقي المجتمع بلا قيمة تذكر، هذا إن لم تترسخ لدى المتلقي الأول للحادث قناعة شبه أكيدة بأن العقوبة، أيا كانت نتيجتها، تستحق المغامرة التي ارتكبت من أجلها، خاصة عندما يرى المخالفين أنفسهم يمارسون حياتهم بعد ذلك بشكل طبيعي ودون قيود.

شخصيا أرى أن هشاشة بعض العقوبات مقارنة بالجرم الحاصل، شجعت ضعاف النفوس على ارتكاب مزيد منها، وإلا ما المبرر لارتكاب كل هذه الجرائم رغم ما يعلن يوميا عن إحباط محاولات شبيهة بها؟

وعليه فإنه ما لم تغلظ تلك العقوبات وتقرن بالتشهير بالمخالف وعلى نفقته الخاصة، وفي فترة زمنية قريبة من ارتكاب الجرم؛ ستستمر تلك المحاولات، وستكون العقوبة بلا أثر فعال، سواء على المخالف نفسه أو باقي أفراد المجتمع.

@Alnowaisir