مرزوق بن تنباك

النظام سيد الكلام

الثلاثاء - 30 يونيو 2020

Tue - 30 Jun 2020

نعجب نحن العرب بما نراه في الغرب من ضروب السلوك العام والالتزام بالقوانين والنظافة في الشارع وفي المرافق العامة التي نرتادها معهم، ونرى اهتمامهم بها ونود لو نرى مثله في تصرفاتنا، ونعزو ما نراه فيهم إلى تهذيب طباعهم والتزامهم بآداب يربون عليها ويحترمونها، ونظن أن ما نراه طبيعة طبعوا عليها وأخلاق التزموا بها، نتيجة تعليم وتربية حافظوا على ما عرفوا منها، ولكن ليس الأمر كما نظن، فالناس هم الناس في كل زمان ومكان.

ما نراه ونعجب به هو نتيجة لتطبيق النظام العام وضبط من يخالفه ومعاقبة من يتجاوزه، ولا سيما الآداب العامة حيث تكون الغرامات القاسية على من لا يلتزم بها والصرامة في تطبيقها، عندئذ ينساق العامة والخاصة للنظام خوف العقاب حتى صارت طاعة النظام خوفا من الغرامات سلوكا وعادة متبعة واتسقت ثقافتهم على ما نراه فيهم نتيجة لما يواجهون من عقوبات وغرامات، وليس طبيعة وطيبة منهم كما نظن.

لقد رأيت هذه الأيام بعض النشطاء الغيورين على البيئة ينشرون في مواقعهم وفي وسائل التواصل الاجتماعي صورا غير مستحسنة وغير مقبولة يقوم بها بعض المواطنين الذين يتجهون إلى المتنزهات والحدائق العامة ويقضون فيها وقتا ليس طويلا ثم يغادرونها، وقد تركوا وراءهم صورا مقززة لما يخلفه هؤلاء المتنزهون بعد تركهم المكان من تدمير للبيئة، ومخلفات لا يمكن أن يقبل الإنسان السوي رؤيتها، وكأن المكان الذي حلوا به مردم نفايات، مما يحول المنظر الجميل إلى مكان مقزز يؤلم النفس.

وتشعر بالاستخفاف من هؤلاء غير المبالين بما يفعلون من الأذى وما يسببون من الفساد لممتلكات عامة ينتفع الناس بها، ولم تُجد توسلات الذين يوجهون لهم النصائح والإرشادات ويذكرونهم بما عليهم من واجب في المحافظة على البيئة النظيفة كلما حلوا بها حتى يستفيد منها الناس وألا تدمر المرافق العامة بهذه الطريقة غير المسؤولة.

لكن مع احترامي لما يقولون فليس هذا مجديا وليس فاعلا ولا مانعا للعبث الذي لا يقوم به إلا من فقد احترام نفسه وتقدير مسؤولياته. أما ما يجدي وينفع ويحافظ على النظافة واحترام المرافق العامة فهو سن التشريعات الملزمة، ووضع الغرامات الثقيلة عليهم.

وهؤلاء العابثون لا يؤدبهم غير ملامسة جيوبهم، ولعلكم تذكرون قبل سنوات عندما كان الكتاب والوعاظ يتحدثون عن السرعة في الطرق وأخطارها ويحصون أعداد القتلى والمعاقين الذين يذهبون نتيجة السرعة، وما يسببه تهور السائقين من حوادث في الطرق العامة، كان الناس يشكون ويتحدثون ويعظون ويكتبون ويرجون، وكانت السرعة تزيد والتهور مستمر وعدم المبالاة قائم، ذهبت الأرواح والخطر على أشده لم يرتدع أحد، وزاد التهور من السائقين، فما الذي حدث؟ عندما وضع ساهر وجاءت الغرامات والعقوبات وملامسة الجيوب عاد الناس سراعا إلى رشدهم، وعرفوا ما لهم وما عليهم، وانضبط السير وخفت السرعة وقل التهور، وعاد الطريق آمنا، وسلمت الأنفس. وليست نظافة البيئة واحترام المرافق العامة بأقل أهمية من احترام الأنفس والنظام.

التدمير الذي نشاهده للمرافق العامة والحياة البرية التي يرتادها الناس كافة، يستحق الحماية بنص القانون، وما يعزز القانون ويحميه ويضمن احترامه والالتزام به هو وضع الغرامات على من لا يحترم المرافق العامة، وتقدير الأضرار التي يخلفها العابثون الذين لا يستشعرون المسؤولية، هؤلاء لا تردعهم النصائح، تردعهم الغرامات والعقوبات حين تلامس جيوبهم وحين يعرفون خطر ما يفعلون وخطأ ما يرتكبون.

Mtenback@