استراتيجية لإعادة توطين النمر العربي في محمية شرعان الطبيعية في العلا

الخميس - 04 يونيو 2020

Thu - 04 Jun 2020

• الهيئة الملكية لمحافظة العلا تشرف على عملية تطوير بيئي واسعة النطاق لإعادة التوازن الطبيعي في محمية شرعان.

• شراكة الهيئة مع بانثيرا، المنظمة الرائدة عالميا في مجال الحفاظ على القطط البرية، ستعمل على تحديد عدد النمور العربية الموجودة حاليا قبل البدء بإعادة توطين النمر العربي، بحسب رؤية الهيئة الملكية لمحافظة العلا لمحمية شرعان الطبيعية.

• تعد هذه الخطة جزءا من الرؤية الأشمل لجعل العلا وجهة عالمية للثقافة والتراث الطبيعي والسياحة البيئية، كما ستعود بالفائدة على سكان المنطقة، تماشيا مع أهداف رؤية 2030.

العلا، المملكة العربية السعودية، 4 يونيو 2020: تقوم الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالإشراف على عملية تطوير بيئي واسعة النطاق لإعادة التوازن الطبيعي في محمية شرعان، والتي تمثل نظاما طبيعيا كاملا وفعالا تماما مثلما كانت منطقة العلا قبل مئات السنين. وقد حققت الهيئة نجاحات مهمة في المراحل الأولى، فبالاضافة إلى ولادة جيل من الغزلان، فقد أعيد تأسيس الغطاء النباتي الذي تحتاج إليه هذه الغزلان من أجل البقاء.

ووقعت الهيئة الملكية لمحافظة العلا في يونيو 2019 اتفاقية مع منظمة بانثيرا، الرائدة عالميا في مجال حماية القطط البرية، والتي تدير مبادرات في 39 دولة. والاستفادة من خبرات المنظمة التي تضم فريقا من علماء الأحياء وخبراء القانون وخبراء حماية القطط البرية، بالإضافة إلى ما تتمتع به من تكنولوجيا متطورة، ضمن مساعي هيئة العلا لتعزيز جهود الحفاظ على النمر العربي.

وتعتمد الهيئة الملكية لمحافظة العلا نهجا مستداما في تنفيذ استراتيجيتها، حيث تشكل إعادة النمور العربية جزءا من الخطة الرئيسية الثالثة ضمن استراتيجية الهيئة، إذ تصنف شرعان منتجعا طبيعيا بفضل خصائصها الجيولوجية والطبوغرافية والبيئية. ويستهدف هذا العمل، إضافة إلى ثلاث خطط رئيسية أخرى ضمنتها إستراتيجية الهيئة، جعل محافظة العلا وجهة عالمية للثقافة والتراث الطبيعي والسياحة البيئية، توفر للزوار تجربة مميزة ضمن مشهد عربي عريق يتعايش فيه الزوار والسكان مع التاريخ البشري والثراء الطبيعي.

وقال أحمد المالكي، مدير المحميات الطبيعية، "لو نظرت إلى النقوش الحجرية المتعددة في منطقة العلا ستكتشف التاريخ الطويل الذي تعايش فيه البشر والنمور، بل ومختلف أنواع الحيوانات البرية مع بعضهم البعض في المنطقة، ورغم أن هذه العلاقة لم تزدهر في الماضي، إلا أننا على يقين بأن الطبيعة والإنسانية قادرتان على التعايش معا، إذ إننا نقوم بإعادة إنشاء منطقة طبيعية ونقية مشابهة لما كانت عليه سابقا، لتشكل جزءا من المتحف الحي الذي تقوم ببنائه في العلا. وسيجذب هذا العمل الزوار من كل بقاع العالم، مما سيسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما سندرب السكان لكي يشغلوا عددا من الوظائف المهمة، مثل الحراسة والتعليم والتوجيه السياحي وغير ذلك، مما يضمن استدامة هذه المحمية الطبيعية للأجيال المقبلة".

ويرى فرانك ريتكيرك، مدير عمليات إكثار الحيوانات في المحميات الطبيعية في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، بأن الخطوات التي سبق وخطتها الهيئة في مجال حماية الغزلان تشهد على نجاحها في ما يتعلق باستعادة الطبيعة البرية في منطقة العلا، بعدما ألحق الرعي الجائر فيها وبعض النشاطات البشرية الأخرى الضرر باستقرارها البيئي.

وقال فرانك: سنعمل على إعادة توطين أحد أكثر الحيوانات المفترسة فتكا بالغزلان، وهي النمر العربي المهدد بالانقراض، فعلى عكس ما تشتهيه الغزلان والوعول، فإن خطط استعادة النظام البيئي بالكامل تعني بأن حياتها لن تكون آمنة كما هي في حدائق الحيوان. فالنظام البيئي يمثل سلسلة غذائية كاملة فيها كل من المنتجات والمستهلكات والمفترسات العلوية. إذ كان النمر العربي سابقا واحدا من الأنواع الأصلية التي سكنت العلا، ووجوده يمثل جزءا من التنوع البيئي والتاريخي للمنطقة، وهو ما يزال حتى الآن جزءا من تراث المنطقة والموروث الشعبي لأهلها. إلا أن عدد من المشاكل البيئية والممارسات كالصيد تسببت بخفض أعداد هذه النمور كثيرا. وعليه نحن نعمل الآن على إكثار هذه القطط الكبيرة مجددا متبعين جدولا زمنيا يمتد من خمس إلى عشر سنوات.

ومن جهته قال الدكتور جاي بالمي، مدير برنامج الحفاظ على النمور في بانثيرا ونائب المدير التنفيذي لعلوم الحفاظ على البيئة، "قد لا يمثل النمر الحيوان الذي يخطر على أذهان الناس عند تفكيرهم بالحياة البرية في السعودية، إلا أننا سنعمل، من خلال هذه الشراكة الجديدة، على معالجة السبب وراء ذلك، وهذه إحدى الأسباب التي تحمسنا للعمل مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا. وبالاعتماد على عملنا المستمر في دعم مجموعات عدة من القطط الكبيرة حول العالم، قمنا بتصميم إطار مراقبة يضم عددا من التقنيات المكثفة يمكن من خلاله تقييم حالة النمور العربية ومنافسيها وفرائسها في السعودية. كما سنعمل مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا والهيئة السعودية للحياة الفطرية لتدريب علماء الأحياء والعمال الميدانيين وغيرهم من الخبراء، بهدف مراجعة الاستراتيجية السعودية وخطة العمل الوطنية للحفاظ على النمر العربي في موئله الأصلي".

هذا وسيعتمد إطار المراقبة بصورة أساسية على شبكة واسعة من الكاميرات الكاشفة، والتي ستكون ذات أهمية بالغة في تحديد عدد النمور المتبقية في المنطقة.

عبدالعزيز العنزي، أحد أعضاء فريق الطبيعة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، يتحدث عن مغامرة نشر وتركيب كاميرات المراقبة قائلا، "حددت بانثيرا عشرة مواقع أساسية في المملكة يحتمل احتضانها لآخر النمور المتبقية. وكان علينا الذهاب إليها سيرا على الأقدام حاملين معنا هذه الكاميرات، حيث بقينا هناك لأربعة أيام مع زملائنا من بانثيرا والهيئة السعودية للحياة الفطرية، ثم مشينا إلى أماكن بعيدة واخترنا أفضل المواقع لنصب الكاميرات الخاصة من أجل التقاط صور لمختلف أشكال الحياة البرية، مع التركيز على تصوير النمر العربي، ووجدنا أن السعودية ما تزال إلى حد الآن موطنا لأنظمة بيئية مفعمة بالحياة، لا سيما عندما وجدنا آثار أقدام وآثار أنواع مختلفة من الحيوانات، مثل الذئب العربي والضبع المخطط والوبر الصخري وأنواع الذئاب المختلفة، ولا شك أن النظام البيئي في العلا يمكنه الانتعاش مرة أخرى مع تلقيه المزيد من الدعم".

وستنصب الفرق التابعة لهيئة العلا وبانثيرا والهيئة السعودية للحياة الفطرية 80 كاميرا في المناطق العشر الرئيسية، حيث تستطيع كل كاميرا تخزين 6000 صورة تقريبا. وعلى الرغم من التاريخ المشحون بين النمور والبشر في المنطقة والعالم أجمع، إلا أن الفرق ستستعين بمعرفة السكان المحليين عن النمور والحياة البرية، وذلك من خلال توزيع استبيانات على 2000 إلى 4000 من المواطنين المطلعين على المنطقة، لدراسة أوقات ظهور هذه الحيوانات والسلوكيات المتخذة تجاه الحياة البرية وتقييم تواصل الحيوانات عبر الجبال، حيث سيوفر خط الأساس لأعداد النمور العربية في السعودية المعلومات اللازمة لإعادة النمر العربي إلى العلا.

تعد هذه الخطة جزءا من الرؤية الأوسع الرامية إلى جعل العلا وجهة عالمية للثقافة والتراث الطبيعي والسياحة البيئية، كما ستعود بالفائدة على المجتمع المحلي، وإنشاء محمية شرعان الطبيعية ليس سوى أحد برامج التنمية التي تهدف لتحقيق هذه الرؤية التي ستفيد مجتمع العلا بشكل مباشر، من خلال خلق وظائف وفرص اقتصادية وتدريبية جديدة، تماشيا مع أهداف رؤية 2030.

ويؤكد فرانك ريتكيرك على أن هذه العملية تراعي الاستدامة على المدى الطويل، وبهذا نعود إلى موضوع الغزلان.

"لا نسعى إلى دعم النمور بشكلٍ مباشرٍ بعد إعادتها بشكلٍ أولي، بل نريد أن نرى هذا النظام البيئي يعمل كما كان سابقاً قبل إعاقته من قبل الإنسان، لهذا السبب من الضروري إعادة التوازن إلى السلسلة الغذائية، من الحياة النباتية وآكلات العشب إلى النمور وغيرها من الحيوانات المفترسة. وفي نهاية المطاف، إن لم يفلح هذا المسكن الطبيعي للغزلان، فإنه لن يفلح أيضاً للنمور."

إنها رؤية طموحة بالتأكيد، وهي تشبه الغزال حديث الولادة الذي يأخذ خطواته الأولى.