محمد أحمد بابا

الألوان شريعة المتدبرين

الاثنين - 01 يونيو 2020

Mon - 01 Jun 2020

جاعل الأبصار هو الله تعالى مستحق للشكر والحمد، وهو سبحانه من يهب لنا التنقل في معاني الألوان تمييزا بالعقل والإدراك، وما من أمر جعله ربي مختلفا عن آخر عبثا.

ونحن متجولون في حدائق الألوان فإننا نبحث عن حقيقة توصيف وماهية امتنان، فمناخ الألوان ممتد الأفق في ألوان أصلية منها انشق كل شيء وتَكوَّن كل لون، وأخرى فرعية لن تنقطع تسميتها ما دامت عيون تنظر.

وكل الذي خلقه الحق تعالى آخذٌ من الألوان قسطا (صبغة الله التي صبغ الناس عليها) وإن لم يكن معنى الصبغة صبغا بلون لكنها القاعدة الإلهية في الشكليات.

فالجمادات في عالم الألوان ساكنة (ومن الجبال جدد بيض وحمر) وما في مادة الألوان من شيء له لون إلا ودالٌّ على معنى آخر وعلى تسلسل معطيات (فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وطلب معرفة اللون ابتدار السائلين حين مزيد من التحقيق (ادع لنا ربك يُبين لنا ما لونها) والإجابة مستحقة حين الاستفسار (إنها بقرة صفراء).

وفي ترتيب الألوان درجات لذات اللون لمزيد استفصال (فاقع لونها)، وبعض الألوان مؤثر نفسي كبير (تسر الناظرين) وفي قتامة بعض الألوان فتح رباني (فلما جنّ عليه اليل رآى كوكبا) فالضد يُظهر حسنه الضد.

ومن اختلاف الألوان تُعرف الوحدة وتنتفي ذات الاختلافات في أصل طيّب ومرجع أصيل (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه) لكنه متحد الغاية (فيه شفاء للناس)، ومن رصيف الألوان انبثق عالم الإنسان فأثر اللون على اللسان، وكان علامة عليه في الغالب (واختلاف ألسنتكم وألوانكم)، ومن صادَق في علم الألوان زملاء تدبر وتفكر وجد ما يشغله عن كثير انخراط، فالأسودان طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحجر الأسود مستَلَم النبيين وركن الطواف، والهنود الحمر إخوان لنا في الإنسانية والنشأة، وكون بعض النتاج وُرْقا مع أصله الأحمر لا يعني شبهة انحراف، فلا يحكم اللون الأعراض.

وفي تقنية الألوان بعض أحكام الفقه والسيرة والتفسير والحديث والعقيدة، فالشفق الأحمر توقيت، وحلة حمراء لبسها صلى الله عليه وسلم تبدي جمال هذا اللون، والبياض سحنة الملائكة، والثوب الأبيض سهل التنقية من الدنس وسهل حمل الدرن ظهورا، ومن اللون الأصفر علامة للمتانة «كأنه جمالتٌ صفر»، والاصفرار علامة الاقتراب سوءًا أو مرضا (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا) ومن البياض ابتلاء (وابيضت عيناه من الحزن) ومَن لا تحولُ في رمزية الألوان المتغايراتُ بينه وبين هوى نفسه في اتجاه الطاعات فعليه مراجعة نفسه (يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه) فليحذر.

ثم إن البحث في الألوان حريّ المداولة بي الناس، إذِ الألوان من عوالم الله تعالى مكنونة الإذعان لربها ماضية للعمل في نفوس ومشاعر وقلوب وعقول وأمزجة الخلق بما أمرها ربها، حتى خلطوها ودرّجوها وسمّوها واحتلبوا منها مادة علم وصناعة تطبيب وصندوق اختيارات.

وفي قراءة الألوان قوم أغراهم سواد الليل وحلكته بمناجاة ربهم، وحفزهم بياض الصبح على السعي والكسب الحلال، وتعاملوا مع الأبيض والأحمر والأسمر من الناس بمقياس (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولَم يغرِهم اصفرار الذهب ولا لمعان الفضة أن ينفقوا في سبيل الله تعالى ليل نهار، ونشطت أذهانهم بزرقة السماء أن يتفكروا في ملكوت الله، فأولئك هم الفائزون الذين لا يتلوّنون عقيدة وخُلقا، لكنهم مع الألوان لهم ألوانُ طيفٍ تُعجب الزّراع ليغيظ بهم الكفار، لذلك فهم في القيامة في لون أخضر شريف (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) فاللهم اجعلنا ممن لهم صحائف بيض يأخذونها بأيمانهم.

albabamohamad@