علي المطوع

الوعي والقرار..أيهما أولا؟

الاحد - 31 مايو 2020

Sun - 31 May 2020

يقول الفيلسوف الروماني إيميل سوران في حكمة طويلة منها: الجهل وطن والوعي منفى. في إشارة إلى حالة الضنك التي تصاحب الوعي في تلازم أبدي فريد وتناسب طردي عجيب.

وربما المتنبي شاعرنا العظيم قد صاغ هذا المعنى في بيته الشهير، عندما قال: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله / وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

ما سبق مدخل لعنوان المقال، والتساؤل الذي ينبغي أن نتعاطاه كشعوب وحكومات، مثقفين ومتعلمين وأصحاب قرار، أيهما أولا الوعي أم القرار؟ والقرار هنا هو تلك الإرادة التي تصنع مفهوما أو واقعا لتقر حالة وتنفي أخرى، كل ذلك بمنظار مصلحي يعم نفعه الجميع، يثبت الزمن صحته، فيثاب فاعله، ويعاقب تاركه.

في زمن كورونا تصدت الدول ومنها السعودية لهذا الوباء بقرارات حازمة، الهدف منها حفظ حياة الإنسان ومن ثم ضبط مؤشرات الوباء السلبية ومراقبتها والتحكم فيها، ومن هذه القرارات كان الحجر المنزلي، صاحب ذلك حملات مركزة ومداهمات فجائية لمجموعات وتجمعات لم تلتزم بذلك القرار، فكان جزاؤها العقوبة الرادعة التي تناقلها المجتمع كمآل ينتظر المتجاوز والمستهتر بصحته وصحة الآخرين.

ولاعتبارات كثيرة خففت الدولة من قيود الحركة وسمحت بالتجول لفترات زمنية محددة، فكان نتاج ذلك صور مأساوية من نسيان كل شيء والعودة إلى الفوضى الجامحة والجارحة لكل صور الالتزام التي كانت تسود أفراد المجتمع قبل السماح.

لم تنتف دواعي المنع فما زال خطر الوباء قائما، وفي الوقت نفسه فترة المنع - الطويلة نسبيا - لم ترفع مستوى الوعي عند الناس ليعرفوا النتائج المترتبة لحالة الفكاك من الالتزام بالمنزل وفرض سياسة التباعد بينهم.

العالم في هذا المسلك كانوا سواء، ففي إنجلترا على سبيل المثال ومن خلال قناة bbc، ظهر تقرير إخباري يرصد ذهاب الناس إلى الشواطئ والمنتجعات الساحلية بأعداد كبيرة، كل ذلك في ظل جائحة لم يسلم منها علية القوم، فكان بوريس جونسون - رئيس الوزراء - شاهدا على فداحة هذا الوباء وسطوته، إلا أن الإنجليز بتاريخهم وثقافتهم وسطوتهم لم يكترثوا بالمرحلة وما تتطلبه من احترازات واحتياطات تحافظ على سلامتهم وتقيهم شر هذا الوباء الذي استوطن المرحلة ثقافة وأرضا وإنسانا.

إذن الوعي هو سلوك فردي قبل أن يصبح سلوكا جمعيا، والقوانين والأنظمة هي البداية التي تجعل الناس يسمعون ويطيعون، وما التشدق بوعي شعب دون غيره إلا أكذوبة أثبت كورونا عدم صحتها، فالقرار هو القالب وهو الأرض التي تستنبت فيها كثير من حالات الوعي وثقافته التي لا بد أن تؤصل في الناس من خلال مشاريع توعوية مكثفة في البيت والشارع والمدرسة، ثم تأتي قوانين المتابعة والرصد التي تحافظ على هذا الزرع وترعاه ليقطفه الناس في الأزمات سلوكا وتضحيات تعود بالنفع على المجتمعات وأفرادها.

حالات التزاحم في شوارعنا، والتي أعقبت حالة الحظر، تعكس حب الناس وتعلقهم بالحرية، شأنهم في ذلك شأن كل الشعوب والمجتمعات، ليبقى الالتزام مطلبا للسلامة بدايته قرار تصنعه الحكومات، وقوانين ترعاه، ومستوى من الوعي في ظل كل ذلك ينمو ويزدهر.