سالم الكتبي

ملالي إيران وإشعال الحرائق

السبت - 23 مايو 2020

Sat - 23 May 2020

الحقيقة التي يعرفها الجميع أن لدى نظام الملالي الإيراني قدرات كبيرة في نشر الفتن وإشعال الحرائق والاضطرابات الإقليمية والدولية، وما لبث أن انتهى هذا النظام من محاولة إشعال صراع في مياه الخليج العربي مع القطع البحرية الأمريكية، حتى انتقل إلى مياه البحر الكاريبي! حيث قرر الملالي إرسال خمس ناقلات نفط كبيرة محملة بالبنزين لدعم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي تعاني بلاده نقصا حادا في مصادر الوقود والطاقة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على فنزويلا.

الولايات المتحدة هددت بمنع ناقلات النفط الإيراني من إفراغ حمولتها في الموانئ الفنزويلية حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية، كون التصرف الإيراني يمثل تحديا للنفوذ الأمريكي في واحدة من أخطر دوائر الهيمنة والنفوذ الأمريكي جيواستراتيجيا، بينما يراهن الملالي على أنهم يمتلكون ردعا مضادا في مواجهة التهديدات الأمريكية من خلال قدرة الإيذاء التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني ضد القطع البحرية الأمريكية في مياه الخليج العربي، أي إنهم يتصورن أن إدارة الرئيس ترمب لن تجرؤ على توجيه ضربة للناقلات الإيرانية في مياه الكاريبي، خشية أن يجلب ذلك رد فعل إيراني غاضب ضد القطع البحرية الأمريكية.

الحقيقة أن إيران جربت ردات الفعل الأمريكية الغاضبة من خلال مقتل الجنرال قاسم سليماني الذي كان يتحرك عبر العراق وسوريا من دون أدنى اعتقاد أو شك حول إمكانية تعرضه لضربة لأمريكية، واعتمادا على الفكرة ذاتها القائمة على امتلاك قدرة الانتقام والرد المضاد!

وفي الجانب الآخر فإن الولايات المتحدة أيضا جربت ردة الفعل الإيرانية الصوتية عقب مقتل الجنرال سليماني، حيث انتهى الصراخ والتهديد والوعيد الإيراني بإطلاق بضعة صواريخ على قاعدة عسكرية عراقية يتمركز بها بعض عناصر مشاة البحرية الأمريكية، وذلك بعد إبلاغ الجانب الأمريكي بتوقيت وحجم الرد الإيراني الذي تسبب في إيذاء بعض الأفراد الأمريكيين الذين استهانوا بالرد الإيراني، ولم يتخذوا الاحتياطات اللازمة بشكل كاف، اعتمادا على أنها هجمة محسوبة بدقة وتمت بأياد مرتعشة تخشى الانتقام الأمريكي المضاد!

الحرس الثوري الإيراني أصدر بيانا قال فيه «إن أي تحرك من الولايات المتحدة مِثل القراصنة ضدّ شُحنات الوقود المتجهة إلى فنزويلا ستكون له تداعيات»، والأرجح أن الأمر لن يصل إلى حد إغراق ناقلات النفط الإيرانية في الكاريبي، كما يصعب احتجاز ناقلات النفط الإيرانية في مياه الكاريبي كما حدث بالنسبة لاحتجاز ناقلة النفط الإيرانية التي كانت في طريقها إلى سوريا في مياه جبل طارق بواسطة البحرية البريطانية، بالنظر إلى ما نال الجانب البريطاني من إحراج في هذه العملية، وبالتالي فليس أمام إدارة الرئيس ترمب سوى الأمر بإغراق ناقلات النفط الإيرانية أو منعها تماما من الوصول للموانئ الفنزويلية، والحسابات هنا مرهونة بموقف الرئيس ترمب الداخلي، وحدود رغبته في التصادم مع إيران قبل أشهر قلائل من انتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل.

الحقيقة أنني لا أراهن كثيرا عن التصريحات النارية المتبادلة بين قادة الملالي ومسؤولي الإدارة الأمريكية، وقد شاهدنا خلال الأسابيع القلائل الماضية ما يبرهن أن قواعد اللعبة الحاكمة بين الدولتين لا تزال تؤتي أكلها وتفعل مفعولها، وأن الظاهر في العلاقات بين طهران وواشنطن يمكن ألا يعبر عن الباطن، وهناك تقارير إعلامية غربية كثيرة تتحدث عن محادثات سرية جرت بين الجانبين وأسفرت عن الاتفاق على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، كما يشير محللون إلى دور إيراني مهم في التوصل إلى مصالحة مهمة واتفاق لتقاسم السلطة في أفغانستان بين الرئيس أشرف غني وخصمه وزير الخارجية السابق عبدالله عبدالله.

ومن الواضح أن التصريحات النارية المتبادلة بين الملالي وإدارة الرئيس ترمب تخفي وراءها قناعة الطرفين بضرورة الانصياع لنهج الصفقات في إدارة العلاقات في هذا التوقيت، خاصة وقد أجريا ما يلزم من اختبارات جس نبض، وتعرف كل طرف إلى حدود قوة الطرف الآخر ومدى رغبته في المضي حتى النهاية في التصعيد، بما يعنيه ذلك من قياسات لحجم الخسائر وغير ذلك.

وبالتالي لا يبدو أن هناك تضاربا في تحليل الواقع، فالملالي يريدون كسب مزيد من الدعاية الزائفة عبر إرسال ناقلات النفط إلى فنزويلا، وهم يدركون أن الأمر ليس كله سياسة ومواقف وثوابت كما يقال، بل هناك مصالح تتمثل في شحنات الذهب الفنزويلي التي يحصل عليها الملالي مقابل دعم نظام الرئيس مادورو، بينما يبدو أن مثل هذه الممارسات تعجب الرئيس ترمب الذي يفضل القيام ببعض الحركات على قطعة الشطرنج لتخفيف الضغوط الداخلية الناجمة عن سوء إدارة أزمة كورونا في بداياتها، وتوابع ذلك على الاقتصاد الأمريكي المتدهور إلى حد غير مسبوق.

وبالتالي من السذاجة - سياسيا - أن نقف كثيرا عند المعارك المحسوبة التي تجري بين الملالي والولايات المتحدة في الوقت الراهن، فكل طرف يعرف تماما حدود قوة الآخر، وفوارق القوة العسكرية والاستراتيجية - المعروفة جيدا - تمنع الملالي من القيام بأي مغامرة غير محسوبة كما يزعمون.