ممدوح التمار

تحدي العشر

الأربعاء - 13 مايو 2020

Wed - 13 May 2020

أن تتحدى أحدا فأنت تطلب منه التباري والتنافس معك لفعل أو عمل معين يظهر خلاله قوته وقدرته الجسدية والفكرية والنفسية والمالية أيضا، من ذلك التحدي الذي يخرج لنا بطولة مشجعة وبطلا محفزا وعملا أنموذجا وشخصا مثالا، وفي رأيي هي أهم مؤشرات نجاح التحدي.

ولأن التحدي فرصة لإثبات القدرات فهو يساهم في استنهاض الهمم وتنمية المهارات وتطوير الذات ونضوج الفكر، وبذلك يكون أبرز أسباب النجاح ودوافعه، فسقوط الإنسان ليس فشلا ولكن التحدي أن لا يبقى حيث سقط.

ومن حين لآخر تظهر لنا تحديات مختلفة، منها ما هو ذو قيمة وفائدة شخصية واجتماعية ووطنية وأخرى لهو وعبث وضارة بفاعلها.

ونحن المسلمين يدعونا الله بالقرآن الكريم للمسارعة والتنافس بأهم مجال بحياتنا وأعظمها وأنفعها لنا وهي الاستزادة من الطاعات وأعمال البر والإحسان والإنفاق في سبيل الله عز وجل، يقول عز وجل ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين﴾.

ويرغبنا بقوله سبحانه ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾.

ويخبرنا عن صفات المؤمنين بقوله الكريم ﴿أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون﴾.

وها نحن اليوم في أشرف ميادين التحدي والمنافسة وأسماها العشر الأواخر المباركة، أجل وأخير ما بشهر رمضان المبارك وصفوته.

وأفضل أعمالها قيام الليل وقراءة القرآن وتحري ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر والصدقة والدعاء سلاح المؤمن، خاصة ونحن نعيش جائحة فيروس كورونا الذي ضاقت علينا بسببها الأرض بما رحبت.

ولنا في المصطفى عليه الصلاة والسلام الأسوة والقدوة الحسنة، وأحوال السلف الصالح والتابعين والصالحين القامات الشامخة وأعمالهم السامية بالعشر المباركة؛ مثل يحتذى به، وترغيب عظيم وحافز جسيم للتعرض لنفحاتها الإيمانية ونيل فضائلها وكسب بركاتها، وعدم التفريط في أيامها ولياليها وأوقاتها المليئة بالخيرات والحسنات.

فبنظرة سريعة مختصرة خاصة بتلك العشر المباركة، نتعرف كيف كان يستقبلها أولا رسولنا وإمامنا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام، فعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿إذا دخل العشر الأواخر من رمضان، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر﴾ متفق عليه.

وعنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿يجتهد في رمضان مالا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه مالا يجتهد في غيره﴾ رواه مسلم.

وكيف هو حال السلف الصالح بالعشر وعلو همتهم وعنايتهم بالقرآن الكريم وإقبالهم عليه وتفرغهم له لأن ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان﴾.

فمن السلف من كان يختم القرآن في قيام رمضان كل عشر ليال وبعضهم في كل سبع ومنهم بكل ثلاث.

والزهري رحمه الله كان إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن.

وكان سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة التطوعية وأقبل على قراءة القرآن.

وإنه بحق ذلك هو التنافس العظيم والعمل المشرف والجهد المثمر فتحدي النفس أقوى وأكبر تحد.