علي المطوع

تويتر.. المنبر والخبر

الاحد - 10 مايو 2020

Sun - 10 May 2020

كان الاتحاد السوفيتي في القرن الماضي قوة عظمى، وكانت آلياته العسكرية تمثل الإصدار الأكمل والأجود في ترسانات السلاح آنذاك، وكان جيشه الأحمر يتكئ على سمعة عريقة تجلت في الحرب العالمية الثانية وما تلاها من نزاعات.

عام 1979 دفعت الحسابات السياسية الخاطئة القادة السوفيت لغزو أفغانستان، انتصارا للحكومة الموالية لهم، ومع تزايد وتيرة الصراع ظهر البون الشاسع بين القوتين، فكان المجاهدون الأفغان في البداية يعانون بسبب افتقارهم لغطاء جوي يسهم في حمايتهم من الطيران الغازي الذي كبدهم في بداية الحرب خسائر فادحة وكبل إرادتهم وعزمهم على التصدي للغزاة فوق كل شبر من التراب الأفغاني.

هنا حضر الحدس الأمريكي، فبعد دراسة الموقف من جميع جوانبه قرر أن الأفغان بحاجة إلى سلاح بسيط وفعال، يحيّد قوة الطيران السوفيتية، وكان الخيار المناسب موجودا، إنه صاروخ ستينغر الذي يحمله الجندي على كتفه وبقدراته الخارقة يستطيع إسقاط الطائرة المعادية، وهذا السقوط كان يعني شيئا من التوازن في أفغانستان يطيل أمد الحرب ويكبد القوة العظمى الممثلة في الاتحاد السوفيتي خسائر فادحة في السمعة قبل العتاد، وفي المقابل ترتفع الروح المعنوية للمجاهدين وتشعرهم أن مقارعة الغزاة باتت أمرا ممكنا ومحسوما، في ظل توفر السلاح الصغير الذي أنزل الصراع إلى الأرض، وهو ما جعل الكفة تميل لصالحهم لاحقا، مما أذل الكبير وحطم أسطورته.

هذا المثال استحضرته الأيام الماضية عندما أفقدت بعض الحسابات التويترية الفردية قناة الجزيرة ومثيلاتها توازنها ومهنيتها وهي تتراجع على وقع تلك التغريدات التي تحدثت عن حدث غير عادي ظهر في الداخل القطري وتم التكتم عليه، ومن ثم نفيه لاحقا في عاصمة دولة عظمى هي روسيا الاتحادية!

المغردون كان سلاحهم الكلمة المكتوبة التي أطلقت في الفضاء الالكتروني الفسيح، فحيدت وأعطبت منصات الإعلام التقليدية المحسوبة على الطرف الآخر، والأدهى من ذلك أنها جعلتها تتراجع وتمارس دور الدفاع ومحاولة تغيير الواقع وتغييبه عن الناس.

هذا المثال وغيره هو ما يفسر تهافت الساسة والمسؤولين في العالم على امتطاء صهوة هذا العصفور الأزرق الكبير بتأثيره ووقعه، وجعله منبرا ومنصة لقول ما يراد له أن يقال وما لا يقال.

المنصات الإعلامية التقليدية التي تعتمد على الصورة كثيرا كأداة لصنع الخبر وتلفيقه وتوجيهه، أصبحت الآن كحاملة الطائرات في المحيطات، تمتلك كثيرا من التقنيات والذخائر والتجارب الحربية، ولكنها في الوقت نفسه تشعرك أنها كالبطة العائمة، تحتاج إلى فريق حراسة يحميها من زورق صغير قد يصطدم بها أو صاروخ موجه يعطبها، وهذا يعني خروجها من السباق خاسرة حاسرة، بعد أن أوجعتها قوى صغيرة وأرجعتها إلى الوراء، تاركة الساحة والفضاء لنوع جديد من السلاح قوامه هاتف ذكي وتغريدة أذكى وأقدر على تكوين الصورة وصناعة الخبر وتعاطيهما في أسرع وقت وتحت أي ظرف.

تثبت الأزمات وتغير المواقف أن التغريدة التويترية باتت السلاح الأكثر قدرة والأكبر تأثيرا، والأقل خسارة في تشكيل الرؤى وإعادة تدوير الأحداث، وإعادة بعثها للمتلقي في صور من المعلومات البسيطة والمركزة والمؤلمة، التي يتخطى تأثيرها صناعة الخبر، بل تصبح جزءا مهما من صناعة المواقف وإعادة صياغة المفاهيم عند المتلقي، أيا كانت مرجعيته وطبيعة توجهه، فعالم اليوم بجل مكوناته لم يعد يهتم بالحقيقة بقدر ما تهمه وجهة النظر والصورة والخبر، التي تساهم في تحصين موقفه والدفع به ليكون الواقع الذي ينبغي للجميع التعايش معه والعيش به، وهذا ما يقوم به تويتر اليوم، قاذف الرأي ومبتكر الصورة وصانع الخبر.

alaseery2@