مرزوق تنباك

عاد الحديث عن العاملين في الخليج

الثلاثاء - 21 أبريل 2020

Tue - 21 Apr 2020

يبدو أن الضربة القاسية التي ضربتها كورونا في صميم بنية العالم قد أيقظت الذاكرة إن على المستوى العالمي أو الإقليمي والمحلي، وأعادت الملاحظات والآراء والمقالات التي سبق نشرها لمعالجة بعض الظواهر الاجتماعية التي ظهرت في منطقة الخليج قبل سنوات، تلك هي موجة العمالة القادمة إلى دول الخليج أو التسونامي الكاسح الذي اجتاح المنطقة قبل ما يزيد على 30 سنة، وتنبه لخطره السياسيون والكتاب وأهل الرأي، وبينوا ما سينتج عنه من مشكلات في الدول الصغيرة والعدد السكاني القليل أمام العمالة الآتية من وراء البحار، وقد عقدت اجتماعات ومؤتمرات ونشرت دراسات على المستويات الرسمية والاجتماعية والثقافية، وكلها تقرر نتيجة واحدة هي خطر ما يحدث على التركيبة السكانية، وأوصت باتخاذ ما يجب من حلول لهذه المشكلة قبل أن يستعصي الحل.

ويبدو أن الحل قد استعصى فسكتوا عن الموضوع، ونسي الخطر الذي كانت تتحدث عنه المقالات والكتاب. لكن كورونا حرك الموضوع من جديد، وتذكر الناس بداية المشكلة وما كتب عنها ففزعوا لإعادة بعض المقالات التي نشرت في السابق، ومنها مقالة كتبها الأستاذ حسين غانم غباش في 5/1/2011 بعنوان (الهجرة والاستيطان والمستقبل الغامض)، تتحدث عن خطر العمالة الوافدة على البنية السكانية في الخليج، وحذر مما سيحدث إن لم يسارع بعلاجه.

وكتبت مقالة عن الموضوع نفسه وخطورته علينا بعنوان (المكون السكاني في الخليج) نشرت في مجلة اليمامة 17/6/1434هـ. جاء فيها: وأمام هذه الكثرة السكانية من غير العرب لم يبق من ورقة بأيدي أهل المنطقة للمحافظة على هويتهم إلا اللغة العربية وثقافتها، وهنا يأتي المسكوت عنه: هل هذه الغالبية السكانية عمالة قادمة تعمل وتعود لبلادها كما نظن؟ أم إنهم سكان ومقيمون في المنطقة؟ أكثرهم ولد وعاش وتعلم واتجر وتملك في البلد، وانطبقت عليه شروط المواطنة وحقوقها كاملة إلا الورقة التي تسميها الحكومات الجنسية؟

الجواب أن 60% من هذا الخليط من الناس سيصبحون مقيمين وسكانا بالوطن ولا يمكن إخراجهم، وسيطالبون بحقوق الإقامة وستدعمهم المنظمات الحقوقية والقوانين الدولية وستؤيدهم الدول التي جاء أغلبهم منها مثل القارة الهندية بدولها الثلاث.

وأتبعتها بمقالة أخرى بعنوان (اللغة الرسمية واللغات الخلفية) نشرت في صحيفة مكة 1/3/2017، ومنها: ألا ترون أنه سيأتي يوم ليس ببعيد يطالب هؤلاء بحقوق المواطنة، وأن من حقهم أن يحملوا جنسية الوطن و أن يتمتعوا بحقوق المواطن وواجباته. والقوانين الدولية تؤيدهم ومنظمات حقوق الإنسان في العالم تساعدهم، وسنرغم على قبولهم شئنا أم أبينا، ولا سيما أن السكان في دول الخليج لم يعودوا جنسا واحدا يتكلم لغة واحدة، ولكنهم أصبحوا خليطا عجيبا من البشر لا يربط بينهم دين ولا لغة ولا ثقافة ولا جنس، ومعلوم أن بعض دول الخليج يصل عدد غير العرب من عموم سكانها 80%، بينما يصل أقلها نسبة 40%.

وهذه النسب العالية من السكان غير العرب ولد أكثرهم في هذه الدول وتربوا فيها وتعلموا وعملوا وعاشوا وهم لا يتكلمون العربية ولا يحسنون ثقافتها، وقد خدمتهم الظروف بوجود لغة وسيطة بين كل الأجناس، وهي لغة أجنبية لا تمت إلى لغة السكان الأصليين بآصرة، تلك هي اللغة الإنجليزية التي يتكلمها كل السكان في الخليج العرب وغير العرب ويتعاملون بها، وهي لغة الشركات والمدارس والجامعات ولغة السوق والعمل ولم يعد أحد يتواصل إلا بها، أما اللغة العربية فلم تعد أكثر من واحدة من اللغات الخلفية التي يستعملها عدد من السكان في بيوتهم ومع خاصة أهلهم، حالها حال اللغة الهندية والفارسية والروسية، وغيرها من مئات اللغات التي يصدق عليها وصف لغة الأقلية أو اللغة الخلفية.

ولو حدث هذا المحذور، وهو لا شك حادث، فمن هم الأكثرية وما نسبة العرب إلى غيرهم، ومن سيكون بيده الأمر ولمن تكون الكثرة والغلبة لو احتكمنا لرأي الشارع وصناديق الاقتراع وسيحدث الاحتكام للشارع الذي هو آت في قادم الأيام؟

فكروا قليلا في الموضوع أيها الحكام وأعيدوا النظر والتفكير. واجعلوا اللغة العربية والثقافة العربية هي الوسيط الأقوى، وهي الحجة لنا عليهم، والفارق الذي يميزنا عنهم، والضمان الذي يجعل الهوية العربية وثقافتها هوية كل من يعيش في الخليج ولا لغة ولا هوية غيرها.

اليوم حدث ما كان يخشى بعد اجتياح الوباء للعالم، وأصبح هؤلاء القادمون إلى الخليج معضلة واجهت المجتمع بأخطار جمة، أهمها التكدس في أماكن وأحياء خاصة بهم تنشر المرض ويصعب التعامل معها أو التخلص منها، وحتى رعايتها وعلاجها أصبحا معضلة وامتنعت دولهم عن استقبالهم، فهل ستكون كورونا سببا لتقنين الاستقدام العشوائي والتخلص من العمالة الزائدة عن الحد، والعودة لتحقيق الهوية العربية إلى الخليج، ذلك ما يجب أن يتم بعد مر التجربة التي جربتها المنطقة في هذه الأزمة.

Mtenback@