فهد عبدالله

اللهاث خلف الأشياء

السبت - 04 أبريل 2020

Sat - 04 Apr 2020

الترك والابتعاد والصمت والخيارات اللا تفاعلية في شكلها الخارجي قد تكون خيارات حياتية تفاعلية مثمرة بين فترة وأخرى، وقد تشكل مصدرا للسلام والسعادة عندما تكون محطات للتأمل والتبصر والخيال. وقد تكررت كثيرا قصة الاعتزالات التي كتب عنها أصحاب التأملات الحكيمة، والتي يبحث فيها الإنسان عن مأوى يخلو من البشر حتى يتخفف من الضغوط والحياة البراغماتية التي أثقلت الكاهل وراكمت كثيرا من الغبار عن المعاني الحقيقية والوجودية عن الحياة، وكيف يمكن للإنسان العيش فيها بأفضل نسخة بشرية ممكنة.

ورغم بساطة وضخامة هذه المعاني التي اكتشفوها، إلا أنها استترت عن الإدراك بسبب تغير المفاهيم التراكمي عبر الزمن وكثرة الهموم والتحديات الواهية، مما جعل بعض الأهداف الحياتية التي وضعها الإنسان لنفسه، والتي خرجت من رحم هذه المفاهيم الخاطئة أو التحديات الواهية تزيد من رقعة الابتعاد عن جوهرية معاني الحياة الطبيعية السعيدة.

بل حتى الركض خلف كثير من التصورات التي أورثتها الحالة المادية البحتة التي يعيشها عالمنا اليوم جعلت الفرد في حالة انشغال مطرد مع اللذة، وتكديس المال وتلبية الرغبات أيا كان اتجاهها، وأصبح تقييم العلاقات بشكل لا إرادي يتجه حول محورية النفعية الممكنة وجدواها أكثر من مجرد العلاقات ذات الروابط الإنسانية، وأصبح سعار اللهاث وراء الأشياء من أكثر العوامل التي ابتسرت كثيرا من المعاني حتى أصبحت الحاجة ملحة لتحرير هذه المعاني لغويا وحياتيا.

وقد عبر عن ذلك تلك الشخصية الحكيمة والتي ظهرت ما قبل الميلاد والتي تعرف ببوذا، وقد عاش في أسرة غنية جدا لدرجة أنه لم يكن في حاجة للخروج من القصر الذي يحويه ويحوي عائلته وعندما خرج من القصر في عمر متقدم ورأى بعينه البؤس المتناثر في حياة الناس والذي لم يكن واردا في الخيال لديه، عندها قرر أن يعيش تلك الحياة البائسة ويبحث عن إجابات لأسئلة الوجود الكبرى من خلال رحلاته التقشفية والانعزالية، والتي جعلته يوما يسطر كثير من الحكم منها تلك الحكمة وخلاصة الخلاصات (الناس يقاسون لأنهم يلهثون وراء الأشياء، إذا توقفوا عن اللهاث خلف الأشياء فسيجدون السلام، ويسعدون)، قال هذه الحكمة في ذلك العصر الذي لم يكن مليئا بزخارف ومباهج الحياة المتخمة كما هو عليه الحال الآن، وما نتج عنها من حالة الدوامة المتكررة التي يدور الفرد فيها راكضا خلف الأشياء من منذ لحظة استيقاظه حتى خلوده للنوم مرة أخرى.

لحظات المراجعة والتأمل والمواجهة المباشرة مع حقائق الحياة الأساسية ومحاولة لملمة شعث الإجابات في العصر المزدحم بالماديات والتفاصيل المعقدة والأولويات غير الأولية أصبحت بمثابة الترياق الجزئي لمرض اللهاث خلف الأشياء، والحقيقة أن مجرد الانشغال بالتفكير حول هذا الأمر وإعطائه وقتا حتى لو كان متقطعا فهو نافذة أمل نحو السلام والسعادة والتخفيف من الأقنعة والأردية التي لا تمثلنا وتبعثر الصورة الحقيقية لطريقة العيش المثالية في الحياة.