عبدالله المزهر

إنسانيون في السعة أنانيون في الضيق..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 30 مارس 2020

Mon - 30 Mar 2020

أعتقد أننا أفرطنا في استخدام عبارة «في أوروبا والدول المتقدمة»، التي جاءت على لسان إحدى الشخصيات في فيلم عربي لا أتذكره، ثم أصبحت عبارة يضرب بها المثل عند الحديث عن «جودة الحياة» في تلك الديار، ومقارنتها بالوضع المتردي في العالم الثالث الذي كان قدره الجغرافي أن يكون خارج «أوروبا والدول المتقدمة»، ويعززها كثير من العزف المتواصل على وتر أغنية بحر الإنسانية الذي يسبح فيه العالم الأول، والحقيقة أن هذا ليس خاليا من الصحة تماما، فلا شك أن لأولئك القوم حسناتهم وإسهاماتهم، ولكن الذي تبين لاحقا أن كثيرا منها كانت «مواقف سعة»، تماما مثلي حين أتحدث عن فضيلة الشجاعة وأذم الجبناء وأنا منسدح في صالة بيتنا أشرب الكثير من الشاهي.

تبين أن المادة هي الآلهة التي من دونها كل شيء، أما الإنسانية فلم تكن سوى سلعة للاستهلاك في أوقات الرخاء.

الحدود المفتوحة وحرية التنقل كانت في حقيقة الأمر وسيلة وليست غاية، الغاية هي حرية الشركات ورؤوس الأموال في المقام الأول، لم يكن الهدف إنسانيا ولا علاقة له بالناس إلا كأدوات لخدمة رأس المال.

حين أطل فايروس كورنا برأسه على القارة العجوز عادت سيرتها الأولى، وعاد القراصنة لأعالي البحار، فأصبح خطف شحنات الدواء سلوكا مقبولا يمكن اختلاق الأعذار لتبريره.

وعاد الشعار القديم لإمبراطوريات الإنسانية «البقاء للأقوى» والأقدر على الإنتاج، أما الذين عاشوا بما يكفي فلا حاجة لهم وليواجهوا قدرهم وحدهم. لم يحتج الأمر لأكثر من بضعة أسابيع ليكفر الإنسان في أوروبا بالاتحاد الأوروبي، لأنه عرف أنه لم يكن في نظر ذلك الاتحاد أكثر من وسيلة إنتاج. ومع أني لا أحب المقارنات كثيرا، لكني فخور جدا بأني أنتمي لهذه الأرض الذي لا زالت تعتبر الإنسان إنسانا، بعيدا عن الخطب والشعارات وتوصيات المنظمات وتلك الأغنيات التي كان يغنيها العالم على رؤوسنا صباحا ومساء.

وعلى أي حال..

حين بدأت حكومات العالم المتحضر في إخبار رعاياها بأن عليهم الاستعداد للرحيل، وبأن كبار السن أو الذين ليس لديهم تأمين صحي هم الضحايا الذين سيقدمون قريبا لكورونا من أجل حياة الاقتصاد، وأنه لا مشكلة في التضحية بأي عدد من الكائنات البشرية من أجل إنقاذ الكيانات الاقتصادية، في هذا الوقت يأمر الملك في السعودية بأن يشمل العلاج المجاني للمصابين بفايروس كورونا في المشافي الحكومية والخاصة الجميع حتى مخالفي نظام الإقامة، وهذا هو الإحسان بعينه، ومع أن هذا الأمر كان متوقعا لأن صاحب العادة يصعب أن يتخلى عن عادته، إلا أن إعلانه كان جرعة فخر واعتزاز بهذا الدين وهذه الأرض وهذه القيادة.

agrni@