زيد الفضيل

التجربة .. في زمن الكورونا

الاحد - 29 مارس 2020

Sun - 29 Mar 2020

في ظل أجواء ما نعيشه من حجر منزلي جراء الخشية من تفشي وباء مرض «كوفيد19» المعروف إعلاميا وعالميا بوباء كورونا، تصبح الشاشة الصغيرة ووسائط التواصل الاجتماعي صديقة حميمة لكل بني الإنسان، يضاف إليهما الكتاب كصديق ثالث لجمهرة المثقفين ومحبي المعرفة بوجه عام، الذين تألف نفوسهم في هذه الأيام - كما أزعم - لقراءة الرواية بمختلف مواضيعها، إضافة إلى ما يصب في جنسها الأدبي ككتب التاريخ بوجه عام، وما دَوَّنه البارزون عن أنفسهم في ثنايا تجربتهم الحياتية والعملية التي يمكن أن يستفيد منها النشء على وجه الخصوص. ويأتي على رأس هذه الكتب التي أحتفي بقراءتها حاليا كتاب «التجربة» للدكتور عبدالعزيز خوجة.

في هذا السِّفر النفيس عمد الدكتور خوجة إلى نقل بعض تجربته الحياتية والعملية، فتحدث عن نشأته وتكوينه الأسري بأفراحها وأحزانها، ثم تطرق لمشواره التعليمي بإخفاقاته ونجاحاته، وصولا إلى سياقات تجربته العملية الأكاديمية ابتداء والدبلوماسية بعد ذلك، علاوة على فترة عمله بمجلس الوزراء كوزير للثقافة والإعلام ودوره الحيوي خلال تلك الفترة.

والواقع أن عديدا من ملامح تلك التجربة، خاصة ما يتعلق منها بالعمل الدبلوماسي والوزاري، قد أشار إلى جانب منه في عديد من اللقاءات المتلفزة، على أني أزعم بأني وعبر برنامجي الإذاعي «مدارات» على إذاعة جدة، كنت سباقا إلى تسليط الضوء على جانب من تجربته الشعرية التي حظيت باهتمام عديد من النقاد، علاوة على المطربين والملحنين، فقاموا بأدائها لحنا جميلا ماتعا شنَّف أسماع كل متذوق هائم، وكم أنا سعيد بهذا السبق الذي عرفتُ منه أنه سيتولى إصداره في كتاب منفصل قريبا بإذن الله.

على كل أعود إلى كتاب «التجربة» الذي صدر مواكبا لهذه الأجواء، فكان أن ذكرني مع الفارق في الموضوع والجنس بعنوان أدبي كبير، لكاتب بلغ شأنا عظيما في عالم الرواية وهو الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز الذي كتب رواية «الحب في زمن الكوليرا»، تلك التي حازت قَصَبَ السبق في عالم الأدب، وطافت بقصتها الخالدة أطياف الكون ومحيطه.

ولعلي وأنا أستعير هوية العنوان لمقالي هذا، كمن يرجو أن تحظى «التجربة» بذات الاهتمام، ولا سيما أنها تعكس بعضا من حياة دبلوماسي سعودي قضى نصف عمره في عالم السياسة وأروقتها الغامضة، الذي - وأصدقكم القول - لم يكن ليستولي على صلب اهتمامي القرائي، وإن كنت شغوفا إلى معرفة المسكوت عنه في دهاليز ذلك العالم الغائر.

في هذا السياق أشير إلى أن أكثر ما لامسني كامن في تلك الكلمات الرقيقة التي صبها ذلك الوالد البسيط، المضيء وجهه بنور القناعة والرضا، في ولده عبدالعزيز حين كان ينصحه قائلا «يا عزيز استشعر الله في كل عمل، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، الإنسان خطاء وخير الخطائين التوابون، فالفرق بين آدم وإبليس أن إبليس أبى واستكبر فلعنه الله، أما آدم فاستغفر وطلب من الله أن يقبل توبته، كلنا نذنب، ولكن علينا أن نعود إلى الله في كل مرة مستغفرين وتائبين، فيغفر لنا».

ما أجمل هذه النصيحة! بل ما أعظمها على الروح وهي في مخاضها! كأنها شاذروان تنمو على قاعدته النفس بقيمها وسلوكها، وهو ما صار غائبا عن ذهن كثير منا اليوم، إذ كم من أب قد اهتم بنصح ابنه بمثل ما سبق من قيم وسلوك؟ بل كم من والدٍ قد عزز في وجدان ابنه حالة المغايرة بين الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض، وجعله رحيما، متواضعا، ودودا، كريما، والشيطان الذي استكبر فغوى، وتحدى خالقه قائلا «لأقعدن لهم صراطك المستقيم»؟

zash113@