حصة مطر الغامدي

هل يغير كورونا نمط حياتنا؟

الخميس - 26 مارس 2020

Thu - 26 Mar 2020

كثيرا ما تردد على مسامعنا هذه الأيام «الزم بيتك، طعامك من مطبخك، قهوتك من صنع يديك، تعليم أبنائك من اجتهادك»، وبما أننا نخوض حربا غامضة ومجهولة مع فيروس كورونا إلى الوقت الحالي، فهو يصر على الاسترخاء بعالمنا بكل ما اوتي من قوة، وبما أن النفس غالية، كان السبيل إلى حمايتها من قبل الأفراد والمؤسسات والدولة في عامل الانضباط والاستجابة للأنظمة، بل هو الخيار الأول للجميع والشاعر يقول: ذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر.

وهناك سؤال كنا كمربين نردده دائما: هل لنا بتغيير بعض العادات غير الجيدة في حياتنا وحياة أبنائنا؟

والواقع يثبت لنا صعوبة تغيير نمط حياة معين، فالأمر يتطلب إجراءات ومدة زمنية وتخطيطا سابقا، ثم وبدون سابق إنذار تمر علينا الأزمات الطارئة التي نؤمن حينها بأنها تمر بقدرة إلهية وتحمل في باطنها فرصا مخفية، هي نفسها قادرة على قهر كل عوامل الروتين التي أصبحت عادة يومية وإن كانت غير جيدة.

في هذا السياق، استوقفتني قصة ذكرها إيريك فروم في كتابه «الامتلاك والوجود» وأحداثها تدور في ميونيخ عام 1977، حيث إن بعض السكان ضاقوا ذرعا من سياسة التملك والقروض والالتزامات المادية، ففكروا بطريقة أخرى تساعدهم على الزهد وتقليل تلك القروض فقرروا الاستغناء عن امتلاك سيارة والتنقل من خلال الدراجة الهوائية، كان القصد إيجاد بدائل أخرى تقلل من الاستهلاك المادي»، ثم أصبحت الدراجة بعد ذلك موضة.

تقليعة دامت إلى الآن ساعدت على تمحور الهدف من الزهد إلى جودة حياة، أصبحت الدراجة الهوائية تحمل ثقافة أخرى وهذا ما لمسوه سكان ميونخ خلال قلة الالتزامات المادية، قللت من التلوث البيئي وساعدت في زيادة اللياقة البدنية، وأصبحت هواية تميل للمتعة والانسجام مع الطبيعة.

إنه نوع من إعادة الفلترة الواعية للشعور والإحساس بالمسؤولية فمع فيروس كورونا، نرى جميع شرائح المجتمع قد امتنعت عن الخروج من المنزل إلا للضرورة، وإن كان الأمر أحيانا نوعا من القهر النفسي للبعض، ولكن في أغلب الأمر كان هناك انسياق وانسيابية.

ويبدو أن الأمر لا يخلو من قولبة لم تكن في الحسبان لتغيير نمطية أسلوب الحياة، فبدأت بعض العائلات في التخطيط لليوم والليلة بأمور السعادة المتاحة البسيطة، والمساعدة في إعداد قوائم الطعام المنزلية وكثير من تلك الممارسات التي قد عفا عليها الزمن ببرمجة خفية لتحسن نوعية التفكير، وبالتالي نوعية الحياة بمجملها.

تكون الأمور أحيانا إلزامية لا خيار فيها كونها أزمة، وأحيانا يجبرنا الوضع الراهن على أن نتعاطى معها بالاضطرار لأنها خيارنا الوحيد إلى أن نتقبلها برضا وقناعة تامة، عندما يتعلق الأمر بالحياة تصبح كل أمور الرفاهية هامشية وغير مهمة، وندرك حينها معنى هبة الحياة.