عبدالله المزهر

لا بد أن تكون منهم هذه المرة أيها المستثنى دائما..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاحد - 22 مارس 2020

Sun - 22 Mar 2020

الإنسان في الغالب لديه اعتقاد بأنه مستثنى من كل المصائب التي يسمع عنها، حين يسمع عن الحوادث المرورية والوفيات يظن أن النصح يخص «الناس الثانين»، وأن المصائب لا تعرف عنوانه. الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمكن أن يقرأ وهو يقود سيارته تقريرا كاملا عن خطر استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة، ويتأثر به ويحوقل ويدعو للآخرين بالهداية ولكنه لا يضع الجوال من يده. لو أن الدببة والبطاريق والماعز وأسماك القرش والدلافين كانت تستخدم الجوال أثناء ركضها في البراري أو في سباحتها في أعماق المحيطات ثم تعرض بعض منها للموت بسببه لكف البقية عن استخدامه، لكن الإنسان لا يفعل.

في هذه الأيام الغريبة يحدث ذات الأمر في التعامل مع خطر انتشار فيروس كورونا، لا أقول إن البعض يتجاهل النصائح وحسب، بل إن البعض يشارك بفعالية في نصح الآخرين، يكتب تغريدات ويصور مقاطع توعوية للحفاظ على الجنس البشري، لكنه لسبب لا زلت أجهله يخرج نفسه من المعادلة. لديه قناعة بأنه الكائن المستثنى.

ولهذا تجد الجميع ينصح الجميع، الكل يجيدون الوعظ والتحذير والتنبيه من مغبة الخروج من المنزل، ثم يخرجون.

كل الذين أصيبوا بالمرض نتيجة مخالطة المصابين كان لديهم نفس قناعات الذين لم يصابوا حتى الآن، يعتقدون أن الأمر مقتصر على أرقام تظهر في وسائل الإعلام لا أكثر، كلها تتعلق بالآخرين المساكين عافاهم الله، كلهم كانت لديهم ذات القناعة بأن «هذا لا يعنينا».

وقد يكون مفهوما - على مضض - أن يكون الإنسان شجاعا مقداما لا يهاب «الفايروسات»، أو يائسا محطما لا يشكل له الموت فارقا في حال كان الضرر من تصرفاته «الشجاعة» ضررا غير متعد، يخصه وحده فقط، أما في حالة كون تصرفاته تشكل خطرا وتهديدا لحياة الآخرين فإن هذه أنانية لا تبررها الشجاعة.

وصحيح أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وأنه لا أحد سيكف عن الحياة قبل أن يستكمل الأيام التي كتب الله له أن يعيشها، ولكن هذا ليس مبررا أن تخرج إلى الشارع بمدفع رشاش وتطلقه على العابرين بحجة أنه لا أحد سيموت قبل أوانه، وقد يبدو لك هذا المثال مبالغا فيه، ولكن تأكد أن تصرفك الأحمق في الاختلاط وعدم الاحتراز وحماية الناس من أذاك لا يختلف كثيرا عنه، المبدأ واحد وتختلف فقط الأداة التي تستخدمها لأذية الآخرين.

وعلى أي حال..

الأنانيون سيعانون كثيرا في هذه الأزمة ليس لأنها صعبة وحسب، بل لأنها تختلف عن كل ما سبق أن جربوه من قبل، لأن حلها يعتمد على الجميع دون استثناء، الجميع مشارك في الحل أو في زيادة المشكلة سواء أراد أم لم يرد، ومعضلة الأنانيين أنهم لا يحبون المشاركة، متعودون على المشاركة في صنع الأزمات والاستمتاع بنتائج الحلول دون أن يقدموا أي شيء، ويؤسفني إخبارهم بأنه لا بد من تجربة فكرة التضحية، حتى ولو كانت تضحية يسيرة لا تتعدى أن «ينثبروا» في منازلهم لأن خطة «أحب المضحين ولست منهم» لن تنجح هذه المرة.

agrni@