موفق النويصر

سطو اللوبي الماروني على سوقنا الإعلاني

السبت - 07 مارس 2020

Sat - 07 Mar 2020

مجموعة من الأسئلة المستفزة ساقها مذيع قناة «العربية» خالد مدخلي على المستقيل من رئاسة تحرير صحيفة «الحياة» في السعودية الزميل سعود الريس، أسوؤها كان «هل يوجد أحد يقرأ الصحف الورقية اليوم؟».

الإجابة السريعة عن هذا السؤال: نعم يوجد من يقرؤها، ويستمتع بتقليب صفحاتها، ويقص أجزاء منها ليحتفظ بها. ولو نظرت على طاولة مكتبك ستجدها أمامك، أو على جوالك بين قروبات الواتس اب وتويتر وباقي المنصات الرقمية. ولو كنت منصفا ودققت قليلا في برامج قناتك والقنوات الأخرى؛ ستجد أن عددا كبيرا من تقاريرها إما متابعة لما نشرته هذه الصحف أو نقل عنها.

المحزن أن كثيرا ممن يمارسون هذه المهنة لا يفرقون بين المؤسسات الصحفية ووسائط النشر. ويربطون، جهلا أو عمدا، بين الصحف والورق فقط، في حين أن «الورق» وسيلة لنقل الأخبار والقصص الصحفية، كغيرها من الوسائط الأخرى التي تتباين الصحف في استخدامها.

الفرق أن «الورق» بجميع إشكالاته ما زال المصدر الأبرز لدخل هذه المؤسسات إعلانيا، أما باقي الوسائط فمداخيلها لا تكاد تذكر أو أنها مجانية. وأتذكر هنا ما قاله رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات الصحفية قبل أشهر في مجمل رده على المطالبة بإيقاف الطباعة والاكتفاء بالنسخة الإلكترونية «لو لم يبق في السوق سوى 1000 صفحة إعلانية سنويا فسنظل نطبع للحصول عليها».

إذن مشكلة الصحف اليوم، إلى جانب مشاكل أخرى سأتطرق إليها لاحقا، هي في شح الموارد المالية بسبب ضعف مردود الإعلان التجاري. وهي المعاناة التي جرّأت الكل ليفتي فيها، سواء كان من أهل الاختصاص العارفين بخباياها أو ممن تعثروا بها على قارعة الطريق.

هذا الضعف - أعني شح الموارد المالية - وإن بدا ظاهرا اليوم على مشهد الصحف الورقية، فهو موجود أيضا في باقي القطاعات الإعلامية (الفضائيات، الإذاعات، الصحف الالكترونية)، وإن كان بنسب مختلفة. يؤكد ذلك حديث الدكتور نبيل الخطيب المدير السابق لقناتي «العربية» و»الحدث» قبل أسابيع في منتدى الإعلام السعودي الأول بالرياض، عندما أوضح صراحة معاناة جميع الفضائيات من انحسار الدخل الإعلاني.

وإن كنا نرمي الصحف الورقية اليوم بالضعف والهوان وانتهاء زمنها والمطالبة بإغلاقها، فسيأتي الوقت الذي يطال الباقين المصير نفسه، إن لم نتدارك الأسباب التي أدت إلى ذلك.

ولعلي هنا أستعيد ما ذكره الصديق طارق الحميد قبل أيام في مقالته بصحيفة «عكاظ» بعنوان «السلطة الرابعة.. والوزير الرابع» عندما تطرق إلى هذا الجانب ضمن مجموعة من الملاحظات التي سجلها على المشهد الإعلامي السعودي «لا بد أن يعاد النظر في الوضع الإعلاني، ويصار إلى ضبط وكالته، أو وكالاته بالداخل، وذلك لدواع سياسية، واقتصادية، واجتماعية».

فمن المسؤول عن هذا الخلل؟

مع الأسف الشديد يسيطر على الإعلان الدولي بالمملكة، لوبي لبناني ماروني، يتحكم بنوع ومحتوى الإعلان الذي ينشر في وسائلنا الإعلامية، وأسعاره، وآلية توزيعه بين المؤسسات الإعلامية.

بدأ هذا اللوبي منذ سنوات في استدراج المؤسسات الإعلامية الكبيرة، العامة منها والخاصة، للحصول على حق الامتياز الإعلاني لها. ولإقناع مسؤولي تلك المؤسسات بقدرته على تقديم أفضل الأسعار واستخدام أنجح الوسائل الإعلانية، مارس سياسة «تبديل الطواقي» لتحقيق مداخيل عالية لها ولأعضاء تنظيمه من خلالها.

وبعد أن بلعت هذه المؤسسات الطعم، وتمكن من الحصول على عقود الوكالات العالمية لصالحها في المنطقة، أصبح يتحكم بالمشهد الإعلاني بالكامل، فأخذ يماطل في سداد المستحقات عليه ليحقق خصومات إضافية تنهمر في جيبه، ويساوم على مزيد من الخدمات للتعجيل بالدفع.

وما هي إلا فترة بسيطة حتى سلمت له جميع المؤسسات الإعلامية شأنها الإعلاني كله، فانقلب عليها ومارس سياسته التعسفية في تحديد الأسعار ومقدار النسب التي يمنحها للعميل والوسيلة المراد الإعلان فيها، الأمر الذي قضى بالضرورة الائتمار بأمره والرضوخ لشروطه، وتقبل الإعلان بالسعر الذي يحدده، والوقت الذي يفرضه، فانسحب ذلك أيضا على المعلن المحلي الذي وجد في ضعف هذه المؤسسات فرصة لاستغلال حاجتها وعرض إعلانه بثمن بخس.

كل هذا تم على مرأى ومسمع من الجميع، دون أن يحرك أحد ساكنا، أو يتخذ إجراء يمنع هذا اللوبي من ابتلاع مقدرات الوطن وتفريغها في بنوك سويسرا وفرنسا، أو يحاسبه على تلاعبه بكيانات وطنية.

لذا أعتقد أن من أولى العقبات التي ينبغي على وزير الإعلام الجديد الاهتمام بها، إصلاح المنظومة الإعلانية بالمملكة، والتي بإصلاحها ستنصلح زوايا كثيرة في المنظومة الإعلامية، كونها المنطاد الذي تتعلق على جدرانه جميع مشاريعنا الإعلامية المستقبلية، سواء ظلت النسخ الورقية أو استبدلت بالرقمية.

@Alnowaisir