مرزوق تنباك

متغير العلاقات الاجتماعية وثوابتها

الثلاثاء - 25 فبراير 2020

Tue - 25 Feb 2020

في القديم كانت العلاقات الاجتماعية تحددها مرتكزات معروفة للناس ومفهوم سبب التعلق بها، مثل العصبية القبلية ورابطها، والإقليمية والاحتكام إليها والمناطقية وتبعاتها، وكان الاتجاه إليها بديلا عن غيرها من العلاقات والروابط، وهو الممكن الذي يجمع الناس ويتعارفون به، ولا يوجد غير ذلك في حسبانهم عندما يريدون التعاون والاجتماع.

أما في العصر الحديث فقد تحولت روابط المجتمعات والناس إلى مرتكزات أخرى جديدة، حلت محل تلك الروابط الأولى وغيرت فيها، مثل روابط المصالح المشتركة والمنافع العامة أو الخاصة، وأصبحت المجتمعات أمام واقع مختلف تحكمه مستجدات ومتغيرات أحكمت تأثيرها في الأجيال المعاصرة، وساعدت في خلقها وتقبلها الظروف التي يعيشها المجتمع الحديث، مجتمع لا تمثل القبيلة واقعه ولا يمثله الإقليم ولا تحده المنطقة.

المجتمع الجديد يتبلور خارج هذين الإطارين التقليديين وإن كان لا يبتعد عنهما كثيرا، بل يتدثر ببعض ملامح الماضي ليحتال على الحاضر حتى يتلافى أسباب الانقطاع الذي لا يريد أن يتوجه إليه. ولهذا كان الواجب مد النظر إلى طبيعة المتغيرات ومرتكزاتها الطارئة في علاج مشكلات الواقع الاجتماعي وتحديد منطلقاته التي أحدثت التغير في بنيته الأساسية وزادت في تباعد العلاقات وتبدلها.

وفي السياق الذي يحدد ملامح المجتمع الجديد، حيث ينطلق من ثنائيات كثيرة ليست القبيلة ولا الإقليم جزءا منها، وقد لا تكون مما عرف الناس وألفوه في الماضي، وهنا يجب أن يعاد النظر في الأطروحات الكثيرة التي تعالج أحوال المجتمع ويجب أن تلامس الواقع كما هو، لا كما كان معهودا ومتفقا عليه، وليس المتصور حتى تكون أقرب إليه، وأهمها العمل على تجذر البدائل الطبيعية التي يكون القبول بها والانتهاء إليها ممكنا في هذا الوقت المختلف، وأول ذلك وأهمه تأصيل مفهوم المواطنة الذي يتحدث عنه كل متحدث، ويقول فيه كل قائل، عرف ما تعني المواطنة فعلا وفهمها أو سمع بها دون أن يعرف مدلولها، ويسلم بمقتضى حقوقها ويقوم بواجباتها وإحلال مدلولها إن أدركه مكان كل انتماء غيرها مهما كان نوعه.

ولا يحقق هذا التحول المأمول غرضه ومتطلباته التي تجب له حتى تحقق المواطنة معناها الكامل، ويعيشها المجتمع بوعي يدرك وظيفة ما يعيش، وأن تحل بديلا موضوعيا لكل انتماء غيرها، وشرط القبول بالمواطنة بديلا عن كل انتماء أن يتحقق العدل بين الناس الذين تجمعهم المواطنة، وإن اختلفت مصالحهم وتباينت أغراضهم واختلف بعضهم عن بعض، وأن يجد المرء فيها ما يجده في غيرها من كل أنواع العلاقات والصلات التي تواضع عليها الناس قديما وحديثا، وهذا هو الذي يضمن الجانب الذي تبحث عنه كل اللقاءات والأطروحات والندوات والمقالات.

إن التزاحم في الولاءات لا يحقق وحدة المواطنة، ولا يخدم مبدأ العدالة وما يجب البحث عنه هو تلمس أسباب الاختلاف وبواعث التشظي في كل الاتجاهات، سواء كان مبعث ذلك العصبية المتلبسة بالقبائلية أو المناطقية أو تلك التي تتكئ على ما يحدث وما يطرأ في الحياة الاجتماعية من متغيرات، وبكل أبعادها من أغراض ومصالح قد تأخذ بالبعد عن الوطن والمواطنة الحقيقية. اللجوء للمواطنة هو مشروع المستقبل الذي يتطلع إليه الشباب ويسعون لارتياده والتفاؤل به.

Mtenback@