نمر السحيمي

التواصل في سياسة المملكة الداخلية

الاثنين - 24 فبراير 2020

Mon - 24 Feb 2020

الحكم أيا كانت مسمياته وطرقه هو في الإسلام يعني إقامة الله لمن يريد جل وعلا له القيادة، فإذا رضيت الأمة حاكما وبايعته واجتمعت عليه فاعتقاد السلف الصالح رحمهم الله في ذلك أن الله قد أراد له وولاه، فحينئذ يحرم الخروج عليه ومنازعته الأمر.

وكون هذا النهج هو ما كان عليه المسلمون في القرون الأولى، ميز الله هذه البلاد بهذا الحكم الرشيد، ومكن جل وعلا للملك عبدالعزيز، فرضيته الأمة وبايعه الناس واجتمعوا عليه.

وجاء النظام الأساسي للحكم بالمملكة محددا نوع الحكم، فنصت المادة الخامسة الفقرة ( أ ) على أن (نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، ملكي).

كما نصت المادة السابعة من النظام على أنه (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة).

وأوضحت المادة الثامنة أيضا أنه (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية).

واستنادا على هذه المواد وغيرها في النظام الأساسي للحكم يسأل البعض عن كيفية سياسة الدولة في تواصل المواطنين مع القيادة في مثل هذا النهج الرشيد من الحكم، وهو ما سأجيب عنه في هذا المقال.

ولا شك أن هذا النهج من الحكم لا يغفل أهمية التواصل المستمر بين القيادة ومؤسسات الدولة مع الشعب، بل وتعطي السياسة الداخلية للمملكة المواطنين حرية التعبير في إطار منضبط يراعي كرامة المواطن، ويمنحه الثقة بنفسه كعضو صالح له رأيه المحترم فيما يختص به أو يشارك فيه أو يهتم بشأنه في بلاده.

وحول تشجيع حرية التعبير، يقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «ما يمكننا فعله هو تشجيع قوة القانون ونود أن نشجع حرية التعبير بقدر ما نستطع ومواجهة التحديات من أجل ذلك».

وهو توجه يعطي المواطن الثقة التي يستحقها ويمنحه التفاعل الإيجابي والمشاركة المثمرة في المجال الذي يريد، بضوابط الشرع الحنيف الذي نص على تكريم الإنسان بقول الله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم) ومن تكريمه ولا شك أن يكون رأيه في موضعه، وتلك هي الحكمة (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا). وإذا تحققت حرية التعبير للمواطن فإن هناك أبوابا للتواصل مع ولي الأمر ومؤسسات الدولة، ومن أهم هذه الأبواب:

- المجالس المفتوحة والوصول المباشر للقيادة أو مؤسسات الدولة، وهو نهج بدأه المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، واستمر عليه أبناؤه وأحفاده من بعده.

وجدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان التأكيد على أن أبواب القيادة في المملكة مفتوحة، والآذان صاغية لكل مواطن، وقال «أكرر، أبوابنا مفتوحة وهواتفنا مفتوحة وآذاننا صاغية لكل مواطن»، وأضاف «رحم الله من أهدى إلي عيوبي، إذا رأيتم أو رأى إخواني المواطنون، وهم يسمعونني الآن، أي شيء فيه مصلحة لدينكم قبل كل شيء ولبلادكم بلاد الحرمين الشريفين الذين نحن كلنا خدام لها، فأهلا وسهلا بكم».

- ومن أبواب التواصل مع القيادة الرشيدة ومؤسسات الدولة ما نص عليه النظام الأساسي للحكم بالمملكة في مادته الأربعين من أن «المراسلات البرقية، والبريدية، والمخابرات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال، مصونة، ولا يجوز مصادرتها، أو تأخيرها، أو الاطلاع عليها، أو الاستماع إليها، إلا في الحالات التي يبينها النظام».

وتؤكد هذه المادة من مواد النظام الأساسي للحكم بالمملكة احترام وسائل التواصل غير المباشر ومحتواها، لتكون قناة أساسية من قنوات حرية التعبير وبابا من أبواب الحوار بين ولي الأمر ومؤسسات الدولة والمواطنين.

وتحقق المجالس المفتوحة والحوار المباشر مع ولي الأمر أو مؤسسات الدولة وما يلحق ذلك من تواصل غير مباشر بالمراسلات البرقية والبريدية وغيرها من وسائل الاتصال؛ التكامل المنشود المؤصل شرعا بين الراعي والرعية، بعيدا عن الوسائل الوافدة وغير الشرعية للتعبير عن الرأي التي لا يعرفها المسلمون عبر تاريخهم.

ولتحقق المجالس المفتوحة والمراسلات البرقية والبريدية الأهداف المرجوة منها كبابين يحققان التلاحم والتكاتف بين قيادة المملكة وشعبها، لا بد من الإشارة إلى أهمية تطوير المؤسسات الحكومية القائمة عليهما، والمؤسسات ذات العلاقة بمصالح المواطنين.

ولا بد من أن يدرك المسؤولون عن تلك المؤسسات سياسة المملكة في هذا الجانب، وتنفيذ مقتضى التوجيهات الملكية بهذا الخصوص، لأن أي خطأ من تلك المؤسسات يعد مخالفة للسياسة الداخلية في بلادنا. فاحترام حق المواطن في التعبير عن رأيه وحقه في التواصل مع قيادته هو من صميم سياسة المملكة الداخلية منذ التأسيس وإلى اليوم.

ولكي تتكامل مكونات سياسة بلادنا الداخلية في أهم أسسها، وهي تواصل الشعب بالقيادة، لا بد أن يدار الدخول للمجالس المفتوحة والنظر في المراسلات البرقية والبريدية وغيرها من قبل لجان إشرافية تخصصية في مؤسسات الدولة، ولا تترك للاجتهاد من بعض الإدارات أو المسؤولين، فإدارة هذا التواصل يجب أن تكون فائقة الاحترافية واسعة العلم والاطلاع بسياسة المملكة الداخلية لا تخضع لأي مؤثرات، حتى تحقق تعزيز الوحدة الوطنية من خلال هذا التواصل، كما جاء في المادة 12 من النظام الأساسي للحكم التي تنص على أن «تعزيز الوحدة

الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والأقسام».

فإذا تحقق دخول المواطنين للمجالس المفتوحة، والاستماع لآرائهم وشكاواهم بتنظيم مؤسسي احترافي يراعي احترام المواطن، وتم استقبال مراسلات المواطنين البرقية والبريدية وتوجيهها التوجيه الصحيح من خلال مؤسسات تتخذ إجراءات تصون هذه المراسلات، فإن ذلك كله هو ما سيحقق نهج ولاة الأمر ويعبر بالتطبيق العملي عن سياستهم الحكيمة تجاه شعبهم.

وقد اهتمت سياسة المملكة الداخلية بتطوير وتنظيم تواصل المواطنين المباشر وغير المباشر مع ولي الأمر ومؤسسات الدولة، كونه أسلوبا من أرقى أساليب جودة الحياة في كل مجتمع، لأنه يحقق للفرد المشاركة والحلول في شتى شؤون حياته. مؤملا أن يكون التواصل بصورته التي ذكرت مكونا رئيسا في الجانب الجاد من برنامج (جودة الحياة) الذي أطلق ضمن البرامج المحققة لرؤية المملكة في 3 مايو 2018، وهو البرنامج الذي يعنى بتحسين نمط حياة الفرد والأسرة وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن.

alsuhaimi_ksa@