علي المطوع

فلسطين.. عدالة القضية والطموحات الحزبية

الجمعة - 21 فبراير 2020

Fri - 21 Feb 2020

في مشهد دعائي كلامي مريب، سجل الإعلام التركي حضورا سينمائيا في بيت الله الحرام، مشهد يرسخ فكرة أن العرب ليسوا الظاهرة الصوتية الوحيدة، بل إن العجم راحوا ينافسوننا في هذا المضمار، بل وربما سبقونا بمراحل زمنية عديدة، ولعل هذا المشهد يؤكد ذلك ويرسخه.

هذه اللجلجة الكلامية قدحت في ذهني هذا التساؤل: لو سلمنا جدلا أن تركيا بحزبها الحالي وعدالته المزعومة، قادت العالم العربي في مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة، ذلك المشروع الذي كان وما زال هو الأساس الذي تسبب في كل الإخفاقات اللاحقة في المنطقة، فهل يا ترى تصدق تركيا من خلال هذا الحزب أو أي فصيل سياسي يحكمها وتؤكد بالأفعال لا بالأقوال قدرتها على محو إسرائيل من الوجود؟ وهل لو صدقت تلك النوايا وحضرت، تستطيع تركيا على الأقل إعادتها بالفعل إلى حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967؟

دعونا نستذكر الوضع العربي المتعلق بفلسطين منذ بداية تشكل هذا الواقع المرير، تحديدا منذ سقوط الدولة العثمانية ومجيء المستعمر ثم ذهابه وتأسيس دولة إسرائيل.

الجميع يتذكر أن كل الأنظمة العربية قبل النكبة وبعدها وشعوبها ورموزها كان خطابهم المعلن يعتبر إسرائيل دولة معتدية غاصبة للحق الفلسطيني، وأن القضية ليست محصورة في الفلسطينيين بقدر ما هي قضية إسلامية بصبغة عروبية وإنسانية عادلة، لهذا وبالاعتبارات الأخلاقية وبكل تفاصيل القانون الدولي وشرعيات مجتمعه تظل فلسطين حقا للعرب والمسلمين قضية حق لكل من أراد أن يتبناها حقيقة أو مزايدة.

لذلك كانت هذه القضية هي المحور الأساس والمتن الأصيل لكل الخطابات السياسية الكلامية التي سادت المنطقة، خاصة في الدول الثورية، وبالتالي بعض الأنظمة في تلك الدول كان يستمد بعضا من شرعية وجوده من خلال فلسطين كقضية محورية للشعوب والحكومات العربية والإسلامية.

وماذا كانت نتيجة هذا الخطاب الكلامي؟ خسارة لمزيد من الأراضي وتشتت للصف العربي، وتمكين وتمكن إسرائيلي في المنطقة لم يكن يحلم به أدعى الصهاينة وأكثرهم تفاؤلا واستشرافا لهذا الكيان الغاصب.

إردوغان اليوم خصومته الأساس مع بعض الحكومات العربية وشعوبها، والدول نفسها هي من تعي وتتوجس من طموحاته السياسية، وفي المقابل يتمتع هو وحزبه بعلاقات دافئة مستقرة مع الكيان الصهيوني، وبالتالي فلسطين تحضر في خطابه المعلن كحق يراد به باطل، مراده أن تكون له وللأتراك حق الوصاية عليها حاليا، والمساومة عليها لاحقا، والأخيرة تعني ابتزاز الدول الغربية وبعض الدول العربية التي ما زالت متمسكة بمقاطعة إسرائيل.

إردوغان بمفاهيمه القومية والحزبية يحضر في المشهد من خلال القضية الفلسطينية، وهو يعلم علم اليقين أن منتهى ما يحلم به ويرجوه وما يقتضيه الواقع براجماتيا؛ صفقة مع الغرب وإسرائيل، تخول تركيا القومية البروز كدولة إقليمية كبرى لها أطماعها وتاريخها وإرثها السياسي، ثم ترسم أمريكا والغرب طبيعة الحضور التركي في المنطقة العربية، وطبيعة العلاقة مع إسرائيل، وفق الكيان التركي الجديد الذي يحلم بإعادة نفوذه داخل الجسد العربي وفق شرعية ماض قريب جدا يرى فيه بعض العرب الناقمين على مجتمعاتهم حقا تاريخيا للأتراك يلزم العرب بطاعتهم والخضوع لهم تحت مسميات ليست بالضرورة أن تكون خلافة، لكنها قد تنبع من مفاهيم مصلحية حديثة ترى في حزب العدالة والتنمية مرجعية سياسية وربما دينية، بعد أن يطعم ببعض الظواهر الصوتية العربية التي ستحيله إلى شرعية تفرض على العرب وسيباركها الغرب وإسرائيل لاحقا.

الطموح التركي الجموح، المعتق بمفاهيم ماضيه القريب يعلم تمام العلم أن استمرار إسرائيل في مشروعها الاستعماري ضمان أكيد لتنفذه وتمدده وخروجه من نطاقه الجغرافي الضيق الذي فرضته عليه بعض المعاهدات والرفض الأوروبي لعضويته، وحان دور التخلص من تبعات تلك الحقبة حتى لو كانت على حساب فلسطين القضية وعروبتها، أما إسلاميتها فستظل ماكثة في الخطاب الكلامي - مثل مشهد المسعى الأخير - الذي ستحييه تركيا وجيوبها في المنطقة، كون هذا الخطاب هو الضامن الأكيد لسيطرة الأتراك من جديد على العرب، خاصة أن الربيع العربي وفوضاه العارمة قد مهدا الطريق في المخيال الأعجمي لهذه الأحلام لإعادتها ومحاولة بعثها من جديد.

@alaseery2