مرزوق تنباك

أيها الإخوة جربوا هذه المرة

الثلاثاء - 18 فبراير 2020

Tue - 18 Feb 2020

القضايا العامة والحاجات المشتركة للمجتمع تأخذ صفة الدوام والاستمرار، لأنها هموم لكل فرد، ولو كتب عنها كل الكتاب وقيلت فيها كل الأقوال ونشرت عنها كل المقالات والملاحظات ما انتهت، وما انتهى البحث عن إصلاحها والتعديل فيها والتحسين لما يتم منها.

وأما المسؤولون الذي يتولون شؤون الناس وقضاياهم فكان الله في عونهم، وعليهم يصدق المثل القائل: رضا الناس غاية لا تدرك، وأي رضا يمكن أن يرضي الناس كافة، ويستجيب لهمومهم وشؤونهم ومطالبهم التي تخصهم مهما كان جهد المسؤول ومهما كان اجتهاده، لسبب بسيط هو تعدد حاجات الناس واختلاف آرائهم وكثرة مطالبهم واستحالة أن يكون العمل الذي يؤديه المسؤول يلبي جميع المطالب والأغراض والحاجات، وهذا ليس تعذيرا للمسؤولين ولا مطالبة بالكف عن ذكر تقصيرهم إذا قصروا، لكنه وصف لحالهم ليس أكثر من ذلك.

وأهم القضايا وأولاها التي لا يخلو منها بيت ولا يتخلى عنها أحد هي التعليم وجودته، والذي تدندن حوله هذه المقالة مع ما دندن حوله الناس منذ وجد التعليم حتى الوقت الراهن، والسبب الأهم في ذلك أن كل القضايا والحاجات والمطالب يمكن تأجيلها إذا صعب حلها في وقتها أو تعثر القيام بها، أما التعليم فلا يمكن تأجيله ولا يمكن المماطلة بمتطلباته مهما كانت الظروف والأسباب، وهذا شيء يدركه المسؤولون، ويعملون على ألا يتأخر التعليم عن وقته وأوانه، وقد يكون متطلب عدم تأخر التعليم ممكنا القيام به.

أما المطلب الأهم فهو نوع التعليم الذي يريده المجتمع وكيفيته وكفاءة مخرجاته، وهذا هو موضوع الجدل الطويل، والسؤال القائم الذي يتردد على الألسن: هل التعليم هو عد السنوات التي يقضيها الطالب في مؤسسات التعليم ثم تمنحه شهادة تثبت تلك السنوات التي أمضاها من عمره وهو طالب في هذا المستوى من التعليم أو ذاك؟ أم التعليم مهارة وقدرة ومهنة يمارسها الطالب بعد تخرجه باحتراف وإتقان، بعيدا عن حمل الورقة التي تشهد له بالحضور إلى المدرسة أو الكلية والجامعة والانصراف منها.

ما يثبته الواقع أن أكثر المتخرجين في مدارس التعليم لدينا هم في المستوى الأول مستوى حمل الشهادة، وعد السنوات التي قضاها المتخرج في التعليم، ولم يتجاوزه أكثرهم إلى إجابة السؤال الثاني الذي نطرحه، وهو الاحتراف والمهنية والمعرفة التي تمكنه من الإبداع فيها، وممارسة تخصصه بعد تخرجه وإتقانه لما تعلم وما تشهد به الورقة التي منحت له من الجهة التعليمية التي قضى فيها شبابه.

دعونا نقولها ونكررها بصراحة: التعليم ليس لسد حاجات العمل كما يقول الإخوة المسؤولون لدينا ويكررون القول، التعليم السليم والصحيح هو الذي يوجد العمل ويصنعه وليس العكس، إذا أردتم تعليما جيدا فانسوا التعليم للعمل، وعلموا التعليم لذاته، ثم انظروا ماذا يفعل لكم التعليم الصحيح السليم من مجالات العمل، وماذا يقدم لكم من الفرص التي تحتاجونها.

هناك فرق كبير يجب ألا يغيب عنكم أيها الإخوة بين التدريب في مجال العمل والتعليم للعمل، ما تريدونه هو التدريب للعمل وهو مجال غير مجال التعليم، وهناك فرق أيها الإخوة بين التعليم الذي يجب أن يلزم به كل طفل في سن معينة، والتعليم الذي يجب أن يكون الدافع إليه قدرات وكفاءات وقابلية فاعلة ليست لدى كل الناس، وليس كل من أكمل التعليم العام يجب أن يلتحق في التعليم العالي.

أيها الإخوة المسؤولون عن التعليم جربتم كثيرا وكثيرا جدا، وغيرتم وبدلتم ونظرتم في برامج الدول المتقدمة وغيرها، وأنفقتم الملايين على المؤتمرات والندوات والرحلات والخطط والمناهج، وكررتم كل المحاولات ولم يتغير شيء.

فجربوا هذه المرة ألا يذهب للتعليم العالي والمتخصص إلا من أثبت قدرة وكفاءة وطموحا تؤهله لإتقان الموضوع الذي سيذهب إليه، وجربوا أن ترفع الجامعة مستوى الطلاب إلى مستواها، وليس أن تنزل بمستواها إلى مستوى الطلاب كما هو حاصل الآن مع الأسف شئتم أو أبيتم. وجربوا التمييز بين الشهادة التي تمنحونها للطالب وبين المعرفة والقدرة العلمية التي حصلها مما تعلم، جربوا والتجربة أكبر برهان.

Mtenback@