عبدالله الأعرج

تويتر.. التأرجح بين النقاهة والتفاهة!

الاحد - 16 فبراير 2020

Sun - 16 Feb 2020

دخلت عالم تويتر قبل 4 سنوات فقط، وأزعم أني رأيت فيها من الفائدة والتفاهة مجتمعتين ما يعادل 100 عام أو يزيد!

الجميل في هذا العالم أنك تحدد من تتابع وتغرد بالمفيد والجديد، والمؤسف أنك لا تملك فرصة (كنترول) على آلاف من التغريدات والردود والمداخلات الضحلة التي تأتي على شاكلة (إش غداكم؟) و(إش عشاكم؟)، لتنفجر بعدها الردود بالآلاف إن كان المغرد مرموقا افتراضيا، في الوقت الذي لا يزيد فيه التفاعل على بضعة (لايكات) لتغريدة نافعة أو معلومة جديرة بالنقل، لا لشيء إلا لأن صاحبها مغمور افتراضيا.

إذن، وبعد هذه السنين البسيطة يمكنني أن أقول إن هذا العصفور الأزرق منح الفرصة لكثيرين لتقديم فن الرصانة والرزانة تماما كمنحه المساحة للسماجة! ويبقى مرتادو تويتر في خضم كل هذه الغابة من التغريدات ذوي حيلة بسيطة في اختيار المفيد، لأن ظهور التغريدات في الخط الزمني لها قسري، وتصفح الردود لا يفرز الغث من السمين!

وفي ساحات هذا التطبيق تحضر تشريعات بروتوكولية تتفاوت بين الأصول والبرستيج والمجاملة والإزعاج، وممارسة القوى الناعمة والخشنة في آن واحد!

فحين نتحدث عن الأصول هناك من ينظر للتغريدات والردود التي ترد إليه كأنها علوم رجال في مجلس ضيافة، يلزم معها الرد على كل حرف، ويتوجب التقديم لها بديباجة، ومعها أيضا خلع الألقاب على المستهدف، وإظهار محاسنة والإشادة بفكره قبل الرد عليه، مما يستدعي كتابة ثريد (سلسلة) من الردود قبل الوصول للرد الفعلي!

وحين يذكر البرستيج في تويتر هناك من لا يرد على أي مغرد إلا إذا كان لديه مئة ألف متابع أو يزيدون، ويكون الرد عادة برستيجيا في تركيبه اللغوي وعدد حروفه، ولا بد أن ينتهي (بنقطة) تظهر البرستيج في أسمى معانيه، دون أن تفقد صاحبها رونق الشهرة وألق الظهور والتفرد!

وآه من المجاملة على صفحات تويتر! إذ هناك من التكلف والمشقة من البعض ما يملأ ما بين الأرض والسماء! ولن تخطئ عيناك تغريدات وردودا لهذه العينة تسكب من المديح المتبادل والثناء المفرط والشكر والتأكيد والموافقة والتعزيز ما يجعلك تشعر بالاشمئزاز أحيانا، لتغادر هذه المنصة حتى تهدأ نفسك وتعود بنفس غير التي خرجت بها ولو بعد حين!

وللإزعاج في تويتر طقوس يأتي على رأسها ما يسمى اصطلاحيا (تكسير المجاديف)، فهنالك من لا يشغله سوى تصيد الأخطاء الإملائية البسيطة للمغردين وكأنهم في مجمع لغوي، أو معارضة الفكر لغرض المعارضة فقط، وهناك المزعجون في الخاص، والتسول الالكتروني، وإحضار مطالبات العمل والرسميات لموقع تواصل اجتماعي، وقل ما شئت.

ولن أنسى حروبا ناعمة وخشنة تشب من وقت إلى آخر في تويتر، وقودها الناس والإحساس، فهي تلمز دون أن تصرح وتوقع بين المغردين، وتنال من لحمة الأوطان وتدس السم في الدسم، وتبارك الرذيلة وتحارب الفضيلة، وتفسد المزاج العام والذائقة الأدبية، مستخدمة حسابات وهمية وأسماء مشبوهة وغيرها كثير.

أختم بالقول إن تويتر شكل جميل من أشكال التواصل الاجتماعي والعلمي والعملي والعالمي، ووجود هذه الوسيلة مفيد جدا وخطير جدا كذلك، لذا فإن وجود دورات تعقد من قبل المختصين حول أدبيات التغريد وتشرح وثيقة تويتر سيكون له مردود طيب، يخفف من حدة هذا العبث الذي يطالعنا كثيرا على هذه المنصة، كذلك فإن مثل هذه التوعية ستؤطر لممارسات تواصلية واعية هادفة، قادرة على ابتلاع أي جنوح يظهر في هذا الفضاء الرحب والمرحب بالجميع، والسلام.

dralaaraj@