محمد السنيدي

مكافحة الملاريا ومعمل أقراص الكينين

السبت - 15 فبراير 2020

Sat - 15 Feb 2020

الملاريا مرض موسمي معد تسببه طفيليات تنقله إلى الإنسان فصيلة من فصائل البعوض، وقد رافق البشر لآلاف السنين، وعرف قديما بأسماء إقليمية مختلفة كالحمى النفاضة والبرداء والحمى الرزغية.

وللمرض قصص مؤلمة يحكيها الآباء والأجداد، ولمجهودات بلادنا في مكافحته جوانب لم تأخذ حقها بالنشر، ومن أهمها حادثة إنشاء معمل لتصنيع أقراص الكينين (Quinine)، الدواء الأساسي المستخدم في وقت مضى لمقاومة المرض.

كانت بداية مشروع مكافحة مرض الملاريا من خلال توعية المواطنين بالمرض وأسبابه وطرق مكافحته، ففي عام 1925 نشر الدكتور محمود حمدي، مدير الصحة العامة آنذاك، مقالتين في جريدة أم القرى في العددين 21 و23 بعنوان «لحفظ الصحة: البرداء أو الملاريا»، فصل الدكتور فيهما عن مسبب المرض «الجرثومة»، ودورة حياته وأنواع البعوض، وخص بالذكر البعوضة المحورية في نقل المرض «بعوضة أنوفل»، وطريقة نقلها للجرثومة، ودورة حياتها وارتباطها بالماء، وأكد في المقالتين أهمية تغطية المياه والتخلص من المياه الراكدة لمكافحة البعوض، وعرج على أثر الجرثومة عند دخولها لجسم الإنسان على كريات الدم الحمراء وسبب الحمى وأنواعها.

وشهد عام 1926 حملتين توعويتين في جريدة أم القرى في العددين 96 و102، فأما الأولى فقد حملت عنوان «الملاريا أو الوبالة»، وفيها تفصيل عن المرض والناقل والجرثومة، كما حثت المواطنين والحجاج ممن أصابهم المرض على أخذ «25 سانتيغرام من الكينين عند الطعام» في المراكز الصحية للوقاية من الحمى بالمجان، والحملة الثانية كانت بعنوان «بلاغ من مصلحة الصحة العامة»، واتسمت ببساطة الطرح، إذ كانت بأسلوب سؤال وجواب، تناول فيها البلاغ كل ما يهم المواطن معرفته عن المرض ليتقيه.

وورد في العدد 123 من صحيفة أم القرى الصادر عام 1927 إعلان مصلحة الصحة العامة نيتها تأسيس معمل مخصص لإنتاج أقراص الكينين لمداواة مرضى الملاريا، نصه «تعنى مصلحة الصحة العامة بتأسيس معامل كيماوية في هذه الديار لإحضار ما تحتاج إليه من أدوية، ولتحليل المياه والمواد وغير ذلك من الأمور المهمة. من أجل ذلك طلبت الآلات اللازمة من أوروبا فوصل قسم منها وباشرت العمل. وقد شاهدنا إحدى الماكينات - وهي تدار على الكهرباء - لعمل أنواع الحبوب والأقراص فتخرج في الساعة 15 ألف قرص من الأدوية، كتب على أحد طرفيها باللغة العربية (مكة المكرمة) وعلى الطرف الثاني (مصلحة الصحة العامة). وقد جاءنا من المصلحة المشار إليها أنها لما رأت أن الملاريا تفتك بالأهلين فتكا مريعا وجدت من المناسب لدفع هذا المرض صنع تركيب من الكينين والأدوية النافعة للملاريا على شكل أقراص توزع مجانا للحجاج والأهلين في جميع المراكز الصحية، وقد أرسلت منها كميات كبيرة إلى جميع الملحقات أيضا وهي تعلن للحجاج والأهلين الذين يودون المحافظة على صحتهم بأن يراجعوا المراكز الصحية فتوزع عليهم الأقراص مجانا».

وقد استمرت التوعية عن المرض والجهود من مصلحة الصحة العامة في المكافحة، ففي الأعداد 593 و594 و595 الصادرة عام 1936 أعادت المصلحة الكرة ونشرت مقالات توعوية عن المرض، وكان فيما ذكرت عن العلاج أن «أحسن علاج فعال في تداوي الملاريا هو أملاح الكينين المختلفة، فيؤخذ بحسب الحاجة إما بطريق الفم أو حقنا بالعضلات أو الوريد».

وأعلنت الحكومة عام 1938 الموافق 1357ھ في العدد 697 لأم القرى عن وضعها مشروعا لإبادة البعوض للعناية بالصحة العامة وعن توفيرها «للمواد القاتلة للبعوض» للاستخدام المنزلي.

في عهد الملك عبدالعزيز عام 1927، شهدت البلاد إطلاق مشروعين محوريين لمكافحة مرضي الملاريا والجدري، من خلال إنشاء معمل إنتاج أقراص الكينين لعلاج الملاريا وإنشاء «دار الجراثيم» المعنية بإنتاج اللقاح الحامي من الجدري (القصة التي سردتها سابقا بمقال منفصل نشر بتاريخ 18 يناير 2020).

مكافحة البشر للأمراض ومسبباتها أمر لن يتوقف، ويبقى الأمل قائما بتوطين كثير من الأدوية الأساسية لتعزيز الأمن الدوائي وتطوير الصناعات الوطنية لما يعكس طموح قيادته.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال