زيد الفضيل

أسئلة حائرة في التأسيس الفقهي

السبت - 15 فبراير 2020

Sat - 15 Feb 2020

حدثني ملهمي قائلا: وهل تعرف كيف توسع المسلمون في منظومتهم الفقهية؟ وكيف امتلأت كتبهم بأقوال وآراء وأحكام كانت من وحي اجتهاد وتدبير رأي، فرض وجودها أسباب متنوعة تفاوتت في كينونتها بين السياسي والاجتماعي وحتى الشخصي؟ هل تعرف أيضا أن كثيرا من تفاصيل منظومتنا الفقهية كالمتعلق بالصلاة مثلا، قد علمناها بالتواتر الحياتي، ثم عرفناها فقها مدرسيا بعد ذلك؟ وهل تعرف أن الحلال بيّن والحرام بيّن في كتاب الله الخالد بألفاظ وتعبيرات موجزة محكمة؟

أسئلة كثيرة انهالت على مسمعي ووجدت نفسي مصغيا إليها، ليس لعدم القدرة على الجدال في فحوى إجاباتي لها، ولكن لأنها قد لامست شيئا في داخلي يستحق أن أعطيه مساحة من التأمل والتفكير.

ترى كيف ولماذا توسع العلماء المسلمون في قواعد الفقه وأركانه وأصوله، موجباته ومَنهيَّاته، حتى بلغ بعديد منهم الوقوع في آفة التعصب المقيت لحكم فقهي بشري بدعوى أنه حكم رباني، وأنه مطابق لقول وفعل النبي، وأن غيره على الباطل؟ ونسي أن من يستند إليه هو من قرر مقولة «افعل ولا حرج» في أهم ركن عملي من أركان العبادة، وأنه هو صلى الله عليه وآله وسلم من أقر الفعلين لمن صلى قبل الغروب بفهم دلالي لأمره، ولمن عمد إلى تأخير صلاته لفهم ظاهري لقوله، ومع ذلك فقد كان إقرار النبي لهما إشارة إلى أن الأمر متاح وسهل جدا، وأن الله عالم بما تُخفي الصدور وما تعلن، وأن النية هي المعول في كل أمر، فهي مطية المؤمن، والأعمال بالنيات كما ورد عنه تواترا.

كل هذا قد تم تركه جانبا وخاض العلماء في تفاصيل مَلؤوا الأرض بها متونا وشروحا وتعليقا على الشروح وشرح الشروح، في مسائل حياتية جاء المشرع نفسه ليتعامل معها بقاعدة «استفت قلبك وإن أفتوك»، تلك القاعدة البسيطة التي تجعل المسؤولية منصبة على روح ووعي الإنسان، ذلك الذي أريد تغييبه، وتم تحييد مكامن روحه ووعيه، ليكون مجرد ترس في مكينة الفقهاء، الذين تم تدجينهم بإدراك وبغيره في مؤسسة السلطة ودوائرها المتشعبة.

أمام هذا المفهوم ألا يستحق الأمر أن نقف ونحن على عتبات القرن الواحد والعشرين المفصلي في عمرنا الزمني لنعرف هوية الحقيقي والإضافي في منظومة الفقه الواسعة؟ التي كان لها دور كبير في توسيع دائرة الشقة بين المسلمين على وجه الخصوص، وليست شواهد ذلك ببعيدة عن حياتنا، فكل جيلي ومن قبله ومن بعده يتذكر كيف توسع بعض الفقهاء في التبديع والتفسيق وصولا إلى التكفير في مسائل باتت خلافية بقولهم بعد ذلك، ليتحول الحكم بقدرة قادر من خانة الضد إلى خانة الإيجاب، ونحن ليس لنا إلا أن نُسلم بكل تلك المتغيرات، ومن ذلك مثلا أنه حين جرى تحريم التصوير، وآمن مَن آمن بذلك فامتنع عن ممارسة التصوير، وقام بتقطيع ذاكرته وذاكرة من معه إيمانا بحكم التحريم، ثم تراه يُفيق وقد أصبح الحكم حلالا، ليُصعق بما أقدمت يداه على فعله في لحظة اتباع جارف، ويصحو فلا يجد من ذاكرته شيئا محفوظا، في الوقت الذي يبدأ فيه شيخه بتوثيق وصناعة ذاكرته.

على أن إشكال اللفظ والحكم الفقهي لا يتوقف هنا، وإنما تتجلى صوره المحيرة في إطارات متعددة، أهمها الإطار النسوي من حيث تحديد هوية المرأة وكينونتها وأسلوب وطريقة التعامل معها، فهي الناقصة عقلا ودينا، وهي النجس في بعض الأحكام الغريبة، وهي العار الواجب دعسها في أجمل اللحظات الحميمية بين الجنسين الذكر والأنثى، وأقصد هنا تحديدا لفظة «الوطء» وهي بمعنى داس ودعس واعتلا، التي استأنس كثير من الفقهاء استخدامها للدلالة على طبيعة تلك العلاقة الإنسانية الحميمة، في الوقت الذي لم يرد فيه عن صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم استخدام تلك اللفظة الموحية بالمهانة أبدا، والسؤال: كيف تشكلت تلك اللفظة بمعناها الحسي في وعي الفقيه ليصوغها تشريعا بعد ذلك؟ وما هو حجم تأثير التنمر السياسي فيها من الشخصي؟ وهل بات مقنعا أن نتقبل ذلك في الوقت الراهن؟ أم واجب أن نعيد قراءة منظومتنا الفقهية بعقل ثوري ناقد؟ أسئلة تدعونا لنعمل جاهدين لفهم قوله تعالى «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عباديَ الصالحون»، فمن هم عباد الله الصالحون يا ترى؟!

zash113@