ارتفاع الأسعار يغلي بالشارع الإيراني

معهد الولايات المتحدة للسلام: الدعم في طهران يمثل لغزا مثيرا روحاني رفع أسعار الطاقة مرتين منذ توليه الرئاسة قبل 7 أعوام الحكومة تواجه عجزا.. والمدفوعات النقدية تستنزف ميزانية الدولةأعمال شغب واسعة في كل أنحاء البلاد ألغت خطة رفسنجاني للتقشف
معهد الولايات المتحدة للسلام: الدعم في طهران يمثل لغزا مثيرا روحاني رفع أسعار الطاقة مرتين منذ توليه الرئاسة قبل 7 أعوام الحكومة تواجه عجزا.. والمدفوعات النقدية تستنزف ميزانية الدولةأعمال شغب واسعة في كل أنحاء البلاد ألغت خطة رفسنجاني للتقشف

الأربعاء - 12 فبراير 2020

Wed - 12 Feb 2020

فيما تحاول الحكومة الإيرانية إخفاء ما يحدث في الداخل عن أنظار العالم، وتستمر في قطع خدمة الانترنت وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، ما زال الشارع الإيراني يغلي ويواصل احتجاجه منذ أن قفزت أسعار البنزين 300% في نوفمبر الماضي، حيث اندلعت المظاهرات في أكثر من 100 مدينة، وارتفع عدد ضحايا القمع إلى 1500 شخص، مع عشرات الآلاف من المعتقلين والذين اختفوا قسرا داخل السجون.

قدم معهد الولايات المتحدة للسلام نظرة على موضوع الدعم الإيراني الذي يمثل لغزا مثيرا لا يعلم الكثيرون تفاصيله، حيث خفضه الرئيس حسن روحاني كثيرا منذ توليه منصبه عام 2013، ورفع أسعار الطاقة مرتين، بينما ما زالت الحكومة تواجه عجزا في الميزانية، وما زالت المدفوعات النقدية تقريبا تستنزف ميزانية الدولة، فيما باتت أسعار الطاقة أقل من مستويات السوق الحرة.

وتحول البنزين إلى قشة أوقدت ثورة الغضب ضد نظام الملالي، وساهم ارتفاع أسعار المنتجات البترولية في زيادة هائلة في معدل التضخم الذي وصل في بعض الأحيان إلى 40 %، تزامنا مع انخفاض قيمة المدفوعات النقدية التي ظلت ثابتة إلى ثلث قيمتها الأصلية.

انحطاط بيئي

تشير التقديرات إلى أن الدعم وصل إلى حوالي 25% من إجمالي الناتج المحلي الإيراني البالغ 335 مليار دولار في عام 2009. وشكل الدعم المقدم لمنتجات الطاقة وحدها 10% من إجمالي الناتج المحلي الإيراني في عام 2010، وفقا للبنك الدولي.

وتحول ارتفاع معدل المواليد الذي دعت له الثورة الخمينية إلى عبء جديد على الاقتصاد، وبدأت الحكومة تجني تأخرها في الإصلاح، فبحلول عام 2010 زاد استهلاك الطاقة في إيران خمسة أضعاف خلال 30 عاما، بينما تضاعف عدد السكان فقط، وفقا لما ذكره الخبير الاقتصادي السابق بصندوق النقد الدولي جاهانجير أمزيجار.

وأكدت الأرقام الإيرانية الرسمية أن استهلاك الطاقة قد زاد بالفعل تسعة أضعاف منذ عام 1976، وساهم الغاز بدوره في التلوث المزمن والانحطاط البيئي والزيادة الكبيرة في حركة المرور في المناطق الحضرية.

فجوات الدخل

تم تفسير خطة إصلاح أحمدي نجاد على نطاق واسع على أنها انعكاس للسياسة، وقد فاز بالرئاسة عام 2005 بعدما وعد بزيادة الخدمات الاجتماعية والمساعدات للفقراء، ووضع ثروة إيران النفطية على طاولة العشاء، لكن مدفوعاته النقدية لم تفعل الكثير لتحسين مستويات المعيشة أو لتقليل فجوات الدخل المتزايدة.

وضعفت القوة الشرائية للإيرانيين، وخاصة الفقراء والطبقة الوسطى مع ارتفاع التضخم الذي وصل إلى حوالي 30% في عام 2008، وفقا للبنك المركزي الإيراني. وجادل النقاد بأن الإنفاق المسرف لأحمدي نجاد استنزف الخزينة مليارات الدولارات من عائدات النفط، بينما لم يساهم إلا قليلا في تحسين البنية التحتية القديمة والمتعبة في إيران.

على عكس سلفيه رفض أحمدي نجاد في البداية مقترحات الإصلاح من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لكن الحقائق الاقتصادية الصعبة غيرت رأيه على ما يبدو، فدعا إلى خطة أكثر تشددا.

أكد الاقتصاديون أن استراتيجية نجاد لعلاج الصدمات لها عواقب وخيمة، وحثوا على انتقال تدريجي أكثر لتجنب حدوث ارتفاع كبير في التضخم للعائلات والصناعات التي تعتمد على إمدادات الطاقة المدعومة بشدة، والتي واجهت بالفعل عيوبا تنافسية بسبب العقوبات.

نتائج كارثية

جاءت النتائج كارثية مع تنفيذ الخطة في ديسمبر 2010، حيث تضاعفت أسعار الطاقة 3 مرات، وتضاعف سعر الخبز بين عشية وضحاها، وقابلتها التحويلات النقدية الشهرية للأسر الإيرانية التي حلت محل الإعانات. وبحلول عام 2012 واجه البرنامج نكسات شديدة، وكان نظام توزيع المدفوعات النقدية الشهرية، الذي تم تحديده بـ 455 ألف ريال (40 دولارا تقريبا في عام 2012) للفرد يعاني من عيوب، فقررت الحكومة تقسيم السكان إلى 3 فئات وتوزيع المساعدات المالية على الفئتين الأدنى، لكن إيران لم يكن لديها نظام فعال لجمع البيانات عن دخل الأسرة.

تم جمع معظم البيانات عن طريق الإبلاغ الذاتي إلى المركز الإحصائي الإيراني، ولم يرغب عدد من العائلات في الكشف عن أصولها لأسباب ضريبية وغيرها، ثم نقحت الحكومة خطتها وأوضحت أنها ستوزع المدفوعات النقدية على شريحة أوسع من المجتمع، وبدون طريقة موثوقة لاستهداف الأسر ذات الدخل المنخفض، واشترك أكثر من 70 مليون شخص - أو 95% من السكان - في البرنامج وبدؤوا في تلقي مدفوعات نقدية، واستعادت الحكومة الأموال من ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، ولكن تكلفة المدفوعات النقدية تجاوزت هذه الأموال بمقدار الثلث.

وبدأت الحكومة في طباعة النقود لتغطية العجز مما تسبب في ارتفاع التضخم، وعكس انخفاض قيمة الريال بعض المكاسب الأولية للبرنامج، كما أن البرامج الأخرى كانت باهظة الثمن، وصوت البرلمان على تعليق الإصلاحات بعدما قفز التضخم إلى 40%.

خوف الحكام

لإرضاء مجتمع مرهق من الحرب بعد النزاع، أبقت الثيوقراطية الإيرانية أسعار الطاقة والمواد الغذائية الأساسية والأدوية والمرافق (المياه والطاقة والصرف الصحي) أقل بكثير من أسعار السوق، ولكن العبء الاقتصادي ارتفع، حيث شجعت الثورة الخمينية في البداية النمو السكاني الذي ضاعف عدد السكان تقريبا من 34 مليونا إلى 62 مليونا في عقد من الزمن.

وفي ظل الضعف الاقتصادي الذي واجهته إيران تردد السياسيون وخاف الحكام في السلطتين التنفيذية والتشريعية من اتخاذ الإصلاحات التي تقتضيها الحاجة خوفا من ردود الفعل السياسية. وأثارت خطة التقشف التي وضعها الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني في أوائل التسعينات أعمال شغب في جميع أنحاء البلاد، مما أجبره على تأجيل إصلاحات السوق الحرة وخفض الدعم.

ولم يتمكن خاتمي من حشد الدعم من المحافظين في البرلمان، وكان أحمدي نجاد أكثر جرأة في زيادة أسعار البنزين تدريجيا، مما أدى إلى اضطرابات وهجمات على محطات الوقود في عام 2007.

تحديات خطيرة

اقترح أحمدي نجاد إصلاحات دعم جديدة في عام 2008، ولكن تم تأجيل الخطة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009، وكان عليه أن يخوض معركة سياسية ساخنة، وتم التوصل في النهاية إلى حل وسط بتدخل من المرشد الأعلى في عام 2010، ومع ذلك وللمرة الأولى اتفقت الفصائل السياسية الرئيسة في إيران على أن عبء الإعانات لا يمكن تحمله على الرغم من المخاوف من وجود قيود اقتصادية شديدة والعواقب السياسية.

وواجه إصلاح الإعانات عوائق كبيرة في السنوات الثلاث الأولى، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى أن المدفوعات النقدية بموجب البرنامج تجاوزت بشكل كبير الإيرادات التي استردتها الحكومة من ارتفاع الأسعار.

وواصل روحاني تقديم مدفوعات نقدية شهرية واستأنف خفض الدعم بعد توليه منصبه، لكن بحلول عام 2015 كانت الحكومة الإيرانية لا تزال تواجه تحديات خطيرة في تمويل المدفوعات النقدي.

رفع أسعار البنزين

منذ توليه منصبه عام 2013 حاول الرئيس حسن روحاني تفادي بعض الأضرار الاقتصادية الناجمة عن سنوات أحمدي نجاد، وفي حين أن إدارته انتقدت تنفيذ برنامج إصلاح الدعم، فقد تابعت جولات جديدة من ارتفاع الأسعار. وورث روحاني أيضا بعض التحديات نفسها التي أضعفت البرنامج في عهد أحمدي نجاد، واستمر عجز الإدارة في إيجاد طريقة فعالة لاستهداف المدفوعات النقدية للفقراء. وبدأت إدارة روحاني بجولات جديدة من ارتفاع أسعار الطاقة، ولكن بوتيرة تدريجية، ففي 2014 ارتفع سعر البنزين المقنن إلى 7000 ريال لكل لتر و10000 ريال لكل لتر بالنسبة للبنزين غير المعدل، (الكمية تزيد على 60 لترا شهريا للسيارة).

وألغت الحكومة نظام الحصص في 2015، وحددت سعر كل أنواع البنزين بمبلغ 10000 ريال لكل لتر. وفي ميزانية 15ـ 2016 كلف البرلمان الإيراني الإدارة بأن تستهدف مدفوعاتها النقدية وتخفض إجمالي المبالغ النقدية التي يمكن للحكومة أن تفرقها.

اندلاع المظاهرات

كان التضخم في طريقه للتراجع بالفعل قبل تولي روحاني منصبه، وفي منتصف عام 2015 انخفض إلى 15.6% من 40 % في أوائل عام 2013. ولا تزال حكومة روحاني تواجه عجزا في الميزانية منذ عام 2015، وما زال برنامج التحويلات النقدية غير قادر على الدفع لنفسه من خلال الزيادات في الأسعار، ويستمر الاستنزاف من برنامج الدعم المخصص للصناعات. وفي ظل محاولات روحاني وعودته لرفع البنزين مرة أخرى بنسبة 300 % اندلعت مظاهرات عنيفة في أكثر من 100 مدينة، وسقط أكثر من 1500 قتيل، علاوة على آلاف المعتقلين.

خطة نجاد لرفع الدعم


  • إلغاء الدعم على مدار خمس سنوات، من 2010 إلى 2015.








  • يمكن للحكومة أن تخفض ما يصل إلى 20 مليار دولار من الدعم خلال العام الأول.








  • في السنوات اللاحقة سيتعين على البرلمان الموافقة على مبالغ إضافية من خلال عملية الموازنة السنوية.








  • يمكن أن تؤثر التخفيضات الفورية على أسعار المنتجات البترولية والقمح والأرز وزيت الطهي والحليب والسكر والخدمات البريدية، بالإضافة إلى خدمات الخطوط الجوية والسكك الحديدية.








  • ستحتفظ هيئة حكومية جديدة - وهي منظمة لإصلاح الدعم - بمعظم الأموال التي تم تخصيصها للدعم.














تأثير العقوبات

شددت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على إيران بعد دخول برنامج إصلاح الدعم حيز التنفيذ، ولا سيما العقوبات المالية التي فرضتها الولايات المتحدة في ديسمبر 2011. وضغطت العقوبات من أجل وقف أنشطة إيران الإرهابية.

وحسب النظام فإن تخفيض الإعانات وزيادة أسعار البترول يجبران المستهلكين على تغيير عادات الاستهلاك المفرطة، وبالتالي تخفيف آثار العقوبات، في حين أن إصلاح الدعم قد خفض معدل الزيادة في الاستهلاك إلا أنه على العكس زاد الاستهلاك.

كان للجولة الجديدة من العقوبات تأثير مدمر، وخاصة على صناعة النفط والغاز الإيرانية المربحة، مما أجبر إيران على تأخير أو إلغاء مشاريع التطوير وخفض صادرات النفط الخام. في الوقت نفسه لم تجنِ الصناعة الفوائد المرجوة من إصلاح الدعم.