محمد أحمد بابا

للغذاء فلسفة وجغرافيا

السبت - 08 فبراير 2020

Sat - 08 Feb 2020

في التوزيع الجغرافي لمصادر الغذاء مجال رحب لفلسفة التوزيع العادل وفق الطبيعة البشرية، ومناسبة ذلك لأحوال السكان وطبيعتهم البيولوجية يغري الباحثين في مجال الطب والأمراض أن يجدوا سببا للأدواء.

عندما تكثر الثروة الحيوانية في مساحة واسعة من البلدان، تجد الشح في النبات، خاصة البقوليات منها، لازمة سائدة، كما هو حال الجزيرة العربية والصحراء الغربية.

وفي الهند وما جاورها من البلدان التي تتقارب معها في التضاريس والمناخ رغم عدد كبير من ثروة حيوانية معظمها من الأبقار المقدسة لدى أغلبهم، تزخر تلك البلاد بأنواع كبيرة من العدس والأرز يعتمد عليها كل السكان بلا استثناء.

أما الملاحظ في مكة المكرمة فهو قول الله تعالى (تجبى إليه ثمرات كل شيء) ربما لنسير في خط إعجازي إرادي للرب الخالق، بأن سكان هذه المنطقة ومن يفد لها ويستوطنها سيناسبه كل ثمر نبت فيها أو هو آت إليها من غيرها، فتجد فيها إنتاجات كل مطابخ العالم التي يتوق لها الجميع.

انسجام التوزيع الجغرافي للغذاء مع المناخ والتضاريس أمر منطقي لاعتماد النبات على ذلك،لكن ربط ذلك التوزيع بالحال الديموغرافي السكاني احتياجا ومناسبة فيه ما يجعل المصدرين للغذاء يدرسون رواج التصدير في بلد دون آخر.

وكذلك فإن النفسيات الإنسانية على اختلافها ربما هي مرتبطة بالغذاء الخارج من الأرض، فقول النبي صلى الله عليه وسلم (عمتكم النخلة) يوحي بأن شبها بين النخيل في حياته ودورته وإنسان الجزيرة العربية موجود ومحسوس، كما قال مفكرو العرب عن حال مربي الغنم واختلافهم عن مربي البقر والإبل، من حيث الصفات المرتبطة بعفوية التصرفات.

هنا تذكرت جملة راجت زمنا في دعاية تقول (مو إنت وإنت جيعان) لأقول بأن الجوع والفقر الغذائي في مناطق المجاعة والتصحر النباتي واقع بتأثيره على طبيعة تفكير وخلطة إنسانها مع نفسه ومع غيره، ولو بعد حين في صفات وراثية، كما أن الشبع والكفاية الذاتية من ثمر الأرض موصلان للملل الإنساني المقيت، كما قال قوم سبأ (ربنا باعد بين أسفارنا) فأعقبهم أن قال (فبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل) فتغيرت طبائعهم في نسلهم من بعدهم.

وحيث بعض الأرض مكتنزة من (بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) فإن إنسانها مسيطر على اقتصاد كثير من البلدان اعتمادا على أن تلك المنتجات من أساسيات الحياة.

لا شك أن شواطئ البحار ومن يسكنها من الناس واعتمادهم على الصيد الحلال من الأسماك، جعل ذلك لهم من صفات السهولة والمرونة والطراوة وسهولة هضم كلامهم وتعاملهم مثلما للحوت من مميزات غذائية.

وجدت كذلك المناطق المهتمة بالأعشاب صحراوية الطبع، ومع ذلك تكثر فيها الأمراض نتيجة تطبيب أهلها بتلك الأصناف قناعة وتجربة.

اختلفت أنواع العسل - رغم أنه حليب النحل - إلا أن أصل رحيقه خارج من الأرض ليدخل في ذلك التوزيع الجغرافي للغذاء، فيصلح لسكان بلد العسل الأسود، وربما ما لا يصلح لغيرهم، ليكون شرابا مختلفا ألوانه بامتياز.

وحين نسمع عن الغذاء الصحي، وفلان نباتي التغذية، واختلاف وصفات الوزن المثالي،ونصائح العامة لمرضى السرطان ومرضى السكر وغيرهما بنوعيات من نبات الأرض، نعرف أن الأرض تتكلم كل اللغات وليس العربية فقط، ومثلما للأرض خارطة جغرافية في النبات لجسد الإنسان خارطة بيولوجية للغذاء مرتبطة لا محالة بذاك.

albabamohamad@