أحمد الهلالي

البليهي على سبيل المثال!

الثلاثاء - 04 فبراير 2020

Tue - 04 Feb 2020

منذ ثلث قرن وهو يشتغل على (علم الجهل)، وينقب في الجهة المعتمة من العقل البشري، ويتحرك في المساحة الواقعة خلف مصدر الضياء الساطع، متسلحا بسلاح مختلف عما ألفه الناس، فقد قرّ في لا وعيه أن أصحاب الأطروحات المختلفة قد كسروا أفق العادة، فوقفوا في الجهة المعاكسة للتيار، فتسلح بما أصاب المفكرين السابقين من مصائب وكوارث أودت بحياة معظمهم، فاختار المضي في مشروعه دون أن يلتفت لكل ما يصيبه من أذى، ودون أن يرد على ما يلقاه من (شتائم) حتى في مواقع التواصل.

المفكر السعودي الأستاذ إبراهيم البليهي، كرس وقته متأملا في العقل البشري، محاولا إيقاظه، وإخراجه من نمطية العادة والتلقائية، إلى منطقة الفعل الواعي، من خلال تفريغ مرجعياته السابقة، وملئها من جديد بناء على ما اكتسبه من معلوماته، لا عاداته، منبها إلى (أصالة التخلف) في العقل البشري، وأن المنظومات التعليمية ـ غالبا ـ تكرس هذه الصفة في العقل، ولا يستطيع كسرها إلا قلة من الناس، هم (المفكرون).

هذا الرجل المضيء، وأطروحاته القيمة التي بلغت 20 كتابا حسبما أذاع في منتدى الثلاثاء، حتى وإن كان طرحه صادما لبعض العقول، فإننا بحاجة إلى طرحه العقلاني الواعي، خاصة في مؤسساتنا الأكاديمية والثقافية، ومن غير المعقول ـ مطلقا ـ أن يظل أبناؤنا في منأى عن الأحاديث والأطروحات المتعلقة بالعقل البشري، فالأمم لا تنهض إلا على الأفكار، والأفكار لا ينتجها إلا العقول المتفوقة المتجاوزة للواقع.

حين يتحدث البليهي عن بنية الجهل والتخلف وتكريس المنظومات التعليمية والثقافية له، فهو لا يتحدث عن فساد هذه المنظومات، ولا يتحدث عن ضعفها، لكنه ينبه إلى تقليديتها ونمطيتها، وبعدها المتفاوت عن تحفيز العقل بطرائق جديدة؛ لكسر حواجز التلقائية التي يتصف بها الكائن البشري، ولتفريغ مرجعياته السابقة وإعادة ملئها من جديد، تلك المرجعيات التي تشربها من خلال ثقافته وعاداته، وتبرمج عليها وأصبحت مألوفة لديه، ولبعضها السلطان العميق في وجدانه؛ فلا يستطيع كسرها والتخلص من إسارها بسهولة.

حديثي عن البليهي يأتي في سياق التمثيل فقط، وينطلق إلى فضاء ما يزال إعلامنا مقصرا في بلوغ مداه، رغم شكوانا من سطحية الثقافة وهشاشة المنجز، ولن نستطيع تجاوز هذه المعضلة إلا من خلال توجيه العناية الفائقة إعلاميا وثقافيا وأكاديميا بهؤلاء المفكرين وهم كثر في حقول معرفية شتى، فإن كانت الحقبة الماضية قد أثقلت المشهد بقيودها، فإن المرحلة المضيئة التي تمر بها بلادنا في الرؤية المباركة 2030 توجب علينا المضي قدما في تقديم مفكرينا وتذليل الصعاب أمامهم لتحريك المشهد الثقافي والفكري، وصناعة مشهد يوازي المكانة التي تحتلها بلادنا على صعد أخرى.

ahmad_helali@