عبدالله المزهر

أثرياء فاحشو الفقر!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 28 يناير 2020

Tue - 28 Jan 2020

في الحقيقة أننا جميعا نحب المال حبا جما، لا أستثني في ذلك أحدا ممن أعرفهم، سواء معرفة شخصية أو معرفة لكونه شخصا معروفا لي ولغيري. بعضنا ـ وهم قلة ـ تكون علاقة الحب هذه من الطرفين فهم يحبون الأموال والأموال تعشقهم ولا تتخيل الحياة دون وجودهم. والبعض الآخر ـ من أمثالي وأشباهي وأضرابي ـ تكون علاقة الحب من طرف واحد، فهم يحبون المال ولكن المال ليس فقط لا يبادلهم ذات المشاعر، ولكنه لا يطيق وجودهم ولا البقاء في المكان الذي يتواجدون فيه.

والحب من طرف واحد باب من أبواب الشقاء، سواء كان حبا للمال أو حبا لحبيب لا يطيق العاشق ولا يحب حتى سماع اسمه.

ثم إني بعد الإقرار بهذه الحقيقة الدامغة التي لا أقبل فيها جدالا ولا أستسيغ لها معارضة، أقول إن محبة المال ليست واحدة، وللمحبين في ذلك مراتب ودرجات لا يساوي بعضها بعضا، فهناك من يحب الأموال كوسيلة وآخرون يعشقونها كغاية. والأولى أكثر منطقية من الثانية.

في هذا العصر المادي أصبح المال هو معيار النجاح والفشل، والمعادلة بسيطة وسهلة، إن كنت تملك كثيرا من الأموال أنت شخص ناجح، وكلما قلت الأموال كان نجاحك أقل حتى تلامس خط الفقر، فتكون عبرة ومثالا على الفشل الذريع المريع، بغض النظر عما تملكه من صفات ومزايا، وحتى مواهبك وإبداعك ومعرفتك وعلمك إن لم تكن طريقا لجني الأموال فإنها ليست أكثر من دليل على فشلك.

ولقد رأيت فيما يرى الناس أن مغنية تلبس ذهبا ومجوهرات وهي تغني ما إن سلاسله لتنوء بالعصبة أولي القوة، ثم اتخذوا لها درعا من الذهب الخالص بعد أن أنهت وصلتها الغنائية.

وهذا ليس أمرا يخصها وحدها، ولكنه يكاد يكون قاعدة لدى كثير من الخلق، فليس مهما أن تؤدي المغنية ما تحسن ـ وهو الغناء ـ بل المهم كيف تظهر وكيف تبهر أعين الناس بما تلبس وأي دور أزياء صنعت ثيابها، لأن الخبر الذي تنتظره في اليوم التالي ليس رأي الناس فيما غنت ولكن رأيهم فيما كانت ترتدي من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والمركبات المسومة التي أتت بها إلى مكان الاحتفال. كثير من المطربين والمطربات يعلمون أنه لن يقول أحد بعد أن يسمع أغنياتهم يا ليت لي مثل أصواتهم، ولكن كثيرون سيقولون يا ليت لي مثل ما أوتوا من مال، ولهذا يبالغون في إظهار الثراء الفاحش حتى ولو كان بمجوهرات مقلدة.

وهذه النزعة المادية البشعة موجودة حتى لدى الكتاب والأدباء والمفكرين، الكاتب الناجح هو الأكثر مبيعا أيا كان محتوى ما يكتبه، أما الفاشل فهو الذي تتحاشاه دور النشر لأنه لا يجلب لها الأموال كما ينبغي.

وهذا موجود منذ أيام التكسب بالشعر على أبواب الولاة والخلفاء، لكنه على الأقل في تلك الحقب كان شعرا جيدا وأدبا عظيما، ولا ينال المال حينها إلا شاعر مجيد، أما لآن فالنزعة المادية أشد فتكا وضراوة والمحتوى شديد السخافة والقبح.

وعلى أي حال..

لست ضد المال، فأنا أحبه كما تفعلون، ولكني ضد الهياط الذي مبدؤه «أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا»، ويستفزني أن يكون المال غاية كل شيء، وأن تكون الأحلام والأمنيات مجرد إعادة صياغة للأمنية القديمة «يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم». وحين أصبح ثريا فاحش الثراء ـ قريبا ـ فلن أخبر بذلك أحدا.

agrni@