أحمد الهلالي

الوصاية على المجتمع تنبعث في (مشاهير التفاهة)!

الثلاثاء - 28 يناير 2020

Tue - 28 Jan 2020

أكثر ما يزعجني في الفضاء الالكتروني، تلك الحملات القامعة للحريات التي يشنها بعضهم ضد أفراد وفئات (أيا كانت)، ويؤلب الآخرين والجهات الرسمية والخاصة، وينساق خلفه خلق كثير، بعضهم يُتوسَم فيه العدل والإنصاف والنظر لقضايا الحرية من أفق أوسع وأسلم وأعدل!

آخر تلك الدعوات تأليب الرأي العام ضد مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وإطلاق الأوصاف المسيئة عليهم، خاصة وصف (مشاهير التفاهة)، ولا أود أن أتعمق أكثر فيما يطلق على هذه الفئة الاجتماعية من أوصاف ليست عادلة، ولا مبررة، ولا منطقية لها.

كيف أصبح هؤلاء الناس مشاهير؟ ولماذا تابعهم مئات الألوف من البشر؟ وكيف أصبحوا بعد الشهرة؟ كل هذه الأسئلة يفترض أن تمر على ذهن الناظر إلى هذه الشريحة، فليس بمقدور الإنسان أن يصنع حسابا على وسائل التواصل ويكتب (أريد أن أصبح مشهورا)، فيستجيب الناس لرغبته فيصبح كما أراد، بل المحتوى الذي يبثه هو الذي جذب الآخرين لمتابعته، حتى أصبح مشهورا، فما ذنبه الذي يعاقب عليه؟

إن المثقفين الذين يروجون ويشاركون في هذه الحملات المنظمة ضد هذه الشريحة يكررون ما كان يمارسه الصحويون (ضد خطابهم) تماما، وينطلقون من ذات الفكرة التي انطلق الصحويون منها (فكرة الوصاية على المجتمع)، ويحسُن أن يتنبه المنساقون وراء تلك الدعوات إلى أن فكرة تشويه الآخر لإبعاد الناس عنه ليست فكرة صائبة، وقد تجاوز وعي المجتمع هذه النقطة، ولن يستجيب أغلبه للدعوات المشابهة.

الشاب الذي يتابع حساب مشهور ينشر محتوى ظريفا، أو مشهورة تنشر محتوى فكاهيا أو مشاكسا أو أيا كان، هو الشاب نفسه الذي يتابع مئات الحسابات، لشعراء وكتاب ومشايخ وفنانين ومثقفين كبار، ويتابع حساب مبادرات وقنوات وصحف إخبارية وثقافية واجتماعية ورياضية، وحسابات مؤسسات حكومية، ومؤسسات مالية، وغيرها كثير، لأنه يؤمن بتعدد مصادر التلقي وفق رغباته وميوله ورؤيته، وليست فكرة صائبة أن نلزم كل مصادر البث بأن تكون على درجة واحدة من الجدية والالتزام.

أرى أن نؤمن بالحريات الشخصية للباث وللمتلقي ما دام لا يمس ثوابتنا الدينية والوطنية، وأن نؤمن بأن الثراء الفكري الحقيقي يأتي من خلال التنوع والتعدد (غثه وسمينه)، وأن نبتعد عن فكر الوصاية، وتأليب الرأي العام ضد أفراد أو فئات، وإن كنا نرى أن هذه الفئات أو الشخصيات تحمل سلبيات معينة، فلنحاول بث الوعي بطرائق غير طرائق التشويه المتعمد، فمعظم ما أراه وأسمعه وأقرؤه ضد المشاهير أراه ملونا بقتامة الغيرة، تنبعث منه روائح الحسد والكمد، فاعدلوا هو أقرب للتقوى.

ahmad_helali@