حنان المرحبي

مأزق الكتاب المحلي

الاحد - 26 يناير 2020

Sun - 26 Jan 2020

الاعتقاد الخاطئ الذي يحمله المثقفون النشطاء، مع تحفظي على مسمى المثقف لكن شاع استعماله للإشارة إلى الأدباء أو المفكرين، هو أن القراء ليست لديهم أدوات كافية لتقييم طرحهم، فيقدمون مواضيع لا تتصل بأي شكل بالإنسان، ولا بالظروف الراهنة ولا تواكب الرؤى التي تقدمت كثيرا مع تطور تقنيات الاتصال والبحث والسفر، أو أولئك الذين يجعلون المشكلة في الأمة التي لا تقرأ، وهذا بالطبع يتضمن الفرضية أن الجمهور لا يبحث ولا يدري عن آخر الإصدارات المنشورة أو التوصيات أو النقد!

وقليل من المشي في الأسواق يبطل هذه الفرضية، بمشاهدة كثافة الإقبال على أركان الكتب حتى في المولات، أي بين صخب الأجهزة ولمعان الفساتين وزغللة المجوهرات، هذا فضلا عن معارض الكتب والمكتبات ومواقع التواصل. لدينا جمهور شغوف باقتناء الكتب والقراءة والتفاعل الاجتماعي حولها، وأي عمل جيد لن يخفى عليه، والفرد منهم يفاخر بمهارة البحث المتقدمة التي يطلقون عليها «القفط»، عاجلا أو آجلا سيكشفون الكاتب الجيد دون أدنى جهد منه في الظهور.

لكن الحقيقة المرة أنه فعلا لا توجد أعمال تستجيب لتطلعات الجمهور محليا إلا القليل، وهذه الحقيقة يجب أن يؤمن بها الأدباء والمفكرون ليسهموا بأعمال تمزج النظرية بالسياق المحلي وترقى للتطلعات، فيقوموا بواجبهم في نقد الأعمال بمنهجية لا باعتباطية، وعدم افتراض أن القارئ لا يملك أدوات تقييم، فالقراء يستطيعون أن يعلموا إن كان الكتاب مقدما بلغة متخصصة، أي موجهة لجمهور المختصين بالمجال فقط، أو يتضمن ثيمات اندثرت لزمن مضى وواقع انقضى، أو يستعير الثيمات من بيئات خارجية أو قديمة جدا لا تشبهنا مطلقا، ويفترض كاتبه أن الجمهور سينكب على كتاباته، وهو لا يغذي حاجتهم للأدوات المعرفية والذوقية الجمالية، ولا يفتح الآفاق للرؤى البناءة والأدوار الإنسانية الرائدة وأدوات التعايش.

وفوق هذا، يؤسفني ما أشاهده من سلوكيات غير مفهومة يمارسها النشطاء من الأدباء والمفكرين على المنصات، فهناك الانتقائي الذي يختار الطرح بعناية فائقة كما لو أنه أمام أطفال ينبغي حمايتهم من سموم الأفكار، فبدلا من عرض جميع الأطروحات المتعارضة بحياد وتقييمها والحكم عليها، يفتعل أن الأفكار التي لا تروق له غير موجودة، لكن الجمهور يعلم بوجودها، أو ذاك الذي يعمد إلى بناء الحواجز بالتعامل المتعالي مع القراء ذوي التفكير النقدي بأسئلتهم الجيدة حول موثوقية وملاءمة وشمولية الطرح، أو الذي إن رأى إقبال الشباب على ممارسة الكتابة الإبداعية، فبدلا من أن يستبشر من الاهتمام المتصاعد بمجتمعه في مجاله، يقوم بـ «نشهم وهشهم» بأبسط ما لديه من علم يتفوق به عليهم، وهي ردة فعل ناتجة عن الخوف من التغيير الذي قد تفرضه موجة الإبداع. مهما يكن، الأعمال الجيدة ستجد طريقها ولو قدمت في باقة من خيش أو سعف.

أخيرا، عزيزي الأديب أو المفكر، نريد أمانة من قلب، نريد نهضة حقيقية في الأفكار ومنظومة المعرفة التي تختزنها الأدبيات عبر نظام اللغة، تقود العقل السعودي إلى لعب أدوار مهمة في حياة الإنسان وفي تقدم المجتمع حضاريا وأخلاقيا. وحين تثق في الجمهور وقدرته على تمييز الأعمال ذات القيمة فلا تتعامل كتاباتك معه بأقل من مستواه أو تتغافل عن الذكاء البيئي (مثلما يتدارج بعلوم الرجاجيل والسنع)، فأنت حينها ستستشعر عظم المسؤولية التي تحملها كفرد استثنائي تميز بالمعرفة واللغة. فلا يصح في الإخفاق أن نلقي باللوم على أفراد المجتمع بأكمله، وإنما الأذكياء وأهل المعرفة والعلم بماذا أسهمتم؟ نحن في أمس الحاجة لأعمال أصيلة تخرج الكتاب المحلي من مأزقه.