عبدالله المزهر

عصر التنوير التويتري القبيح!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الأربعاء - 22 يناير 2020

Wed - 22 Jan 2020

من أقبح ما أفرزه عصر التنوير التويتري هو حشر السياسة في كل شأن من شؤون الحياة. صحيح أن السياسة عامل مؤثر في كل شيء، وليس هذا ما أعنيه بالطبع، ولا أتحدث عن تأثير السياسة نفسها ولكن جعلها القاعدة التي ينطلق منها كل شيء.

قبل أن تبدي إعجابك بقصيدة يتحدث فيها شاعرها عن حبيبته التي لم ير مثلها في نساء الخلق أجمعين، أو بنص أدبي يتحدث فيه الكاتب عن ذكرياته حين كان التلاميذ يسرقون إفطاره من حقيبته المدرسية، فإنك أولا ولحماية نفسك من الأذى لا بد أن تبحث عن تاريخه السياسي، وما هي انتماءاته، وهل سبق أن قال في يوم ما شيئا غير مقبول سياسيا في الوقت الحالي، هل ضحك يوما من طرفة قالها شخص له توجهات سياسية لا تروق لمحاكم التفتيش في تويتر؟

قبل أن تبدي إعجابك بأغنية أو تتشاركها مع الآخرين لا بد أن تكون واثقا من توجهات المطرب والكاتب والملحن وقائد الفرقة الموسيقية والجمهور الذي يحضر حفلاته. لا تتحدث عن مشهد سينمائي أو ممثل إلا بعد أن تكون على دراية كاملة بطريقة تفكيره، هو المخرج والمؤلف والسيناريست ومهندس الديكور وعامل الكافتيريا الذي يبيع الذرة في صالة السينما التي عرضت أعماله، وهل سبق لأي منهم أن قال كلمات أو شارك في أعمال قد يفهم منها أنه ضد توجه لا يتفق مع توجهات الحركة المكارثية في وسائل التواصل.

لا تقرأ كتابا في الطب ولا في العلوم إن كان لمؤلفة كتاب آخر في السياسة، أو سبق له أن أبدى رأيا غبيا في قضية سياسية.

إن أنت تهورت وقررت أن يعجبك الجمال بغض النظر عن صانعه فأنت تخاطر بنفسك في وسط المحرقة. قد تنجو ويمر الأمر بسلام، ولكنك ستندم حين لا ينفع الندم لو أن الشاعر أو الفنان أو المبدع الذي راق لك قد قال رأيا سياسيا غير مستساغ قبل ثلاثة عقود. ستكون في مرمى نيران لا قبل لك بها، وتكره الشعر والفن والأدب وتقول يا ليتني فكرت قبل هذا أو كنت نسيا منسيا.

والحقيقة أنه على بشاعة هذا الأمر إلا أنه مما عم به البلاء، وأصبح متقبلا أن يقوم به بعض عامة الناس الذين قيل لهم إن الحياة إما أبيض أو أسود فاختاروا لونا وأصبح ما عداه عدوا مبينا. وهؤلاء سيغيرون قناعاتهم حين يقال لهم غيرها، لأنهم لا يملكون هذه القناعات من الأساس.

لكنه يكون أشد قبحا وبشاعة حين يكون ديدن من يحسب على الثقافة والأدب، حين يتقمص المثقف أو المبدع نفسه دور المفتش في محاكم التفتيش.

وعلى أي حال..

إن كنت قد وصلت إلى هذا السطر فانتبه قبل أن تتشارك المقال مع غيرك. لا تفعل ذلك قبل أن تتأكد بنفسك وتجد الوثائق والمستندات وأقوال الشهود إنه لم يكن لكاتبه أي نشاط سياسي، ولم ينتم لأي جماعة أو حزب، ولم يخرج في مظاهرة، ولم يكتب أو يظهر في أي وسيلة إعلامية خارج الحدود، ولم يتلق دعما من أي مخلوق، ولم يدخل حسابه البنكي هللة واحدة من غير جهات عمله. وإنه مجرد شخص يحب الكتابة ويقرأ، وتعجبه الكلمات الجميلة حتى لو كان كاتبها هو الشيطان شخصيا عبر حسابه في تويتر.

agrni@